strong>ثائر غندور
• دور المسيحيين في تراجع منذ السبعينات وكل الطروحات مسموحة

يخلص التقرير السياسي لحزب الكتائب إلى أنه لا عودة عن الدولة المدنيّة التي يُمكن لها التصدي للأصوليات والسلفيّات، مسلمة كانت أم مسيحيّة. ويعرض في 23 صفحة للأسباب الموجبة لطرح الفدراليّة ولنشأة لبنان والواقع السياسي والاقتصادي وتأثيره على المسيحيين

يُمكن لقارئ «التقرير السياسي» الذي قدّمه النائب الثاني لرئيس حزب الكتائب جوزف أبو خليل لمؤتمر حزبه الاستثنائي أن يرى حجم التناقضات التي عمل لجمعها أبو خليل في تقريره.
يبدأ التقرير بسرد تاريخي لنشأة لبنان ودور المسيحيين الذين «رفضوا الانسياق مع مشروع الوطن القومي المسيحي، على غرار الوطني القومي اليهودي». ويؤكّد أن «حدود لبنان السياسيةّ، والمعترف بها دولياً، هي في المنطلق والأساس الحدود التي كان قد بلغها الانتشار المسيحي ـــــ الماروني، وخصوصاً في بدايات القرن الماضي، من الشمال إلى الجنوب ومن الساحل إلى أعالي الجبل».
ويتحدّث التقرير عن تأثير غياب جيل المؤسسين للكتائب «ليقوم مكانه جيل آخر لا يعرف الكتائب ولا يتمنّاه إلّا تعبيراً عن الثقافة السياسيّة الموروثة عن زمن الحرب الأهليّة». ويلفت أبو خليل إلى نشوء تيارات سياسيّة تتخذ من الشعائر الدينيّة شعائر سياسيّة «كما لو أن الردّ على الأصوليّات الإسلاميّة لا يكون إلّا بأصوليّة مسيحيّة، أو كما لو أن الكتائب حزب جديد لا ماضي له ولا تاريخ، أمّا حضوره السياسي فموقوف على تفوّق أصوليته المسيحيّة على سائر الأصوليّات».
ويحاول الكتائبي العتيق أبو خليل في تقريره الجمع بين الموقف المؤيّد للفدراليّة والموقف المعارض لها. فيقول إن «انفجار النزاع اللبناني ـــــ الفلسطيني في بداية السبعينات وانحياز المسلمين إلى الجانب الفلسطيني أدّى إلى تبدّل المزاج المسيحي. فـ«ساد الاعتقاد أن دولة 1943 (أي الدولة المركزيّة) هي السبب، وراج كلام عن الفدراليّة أو اللامركزيّة السياسيّة في كل أشكالها. فكتبت نصوص عديدة بهذا المعنى». ويلفت إلى أن انتهاء الحرب الأهليّة باتفاق الطائف لم يبدّد المخاوف والهواجس، فـ«بقي الطعن والتشكيك في ما يسمى «صيغة 1943». معتبراً أن السبب وراء ذلك، هو غياب الدولة لمصلحة «نظام أمني مقرون بوصاية سوريّة، الغرض منه إبقاء لبنان ساحة حرب بالواسطة مع إسرائيل». ويضيف أن مشروعاً «يكاد يصبح مشروع دويلات، أو كانتونات، أكثرها بروزاً الكانتون الشيعي بقيادة حزب الله، يمارس نوعاً من الاستقلال السياسي والأمني والاجتماعي والثقافي يجعله عائقاً دون العودة إلى الدولة الموحّدة، التي هي بمعنى من المعاني دولة فدراليّة أو اتحاديّة». وهو بهذا يساهم في إبقاء باب النقاش حول الفدراليّة مفتوحاً داخل حزب الكتائب.
ويرى أبو خليل أن هناك نوعين من الفدراليّة: الأولى هي الانتماء إلى مجموعة طائفيّة، وهي حالة لبنان، والثانية هي الانتماء إلى منطقة طائفيّة يُمكن أن نصل إليها. ويعتقد أن النزوح والتهجير «وسط غياب كامل للدولة اللبنانيّة كبنيان سياسي جامع» يطرح أكثر من سؤال حول شكل الدولة العتيدة وعلى أي فدراليّة ستكون، «ولعلّه من هذه الزاوية يصير التشكيك في صيغة 1943 تشكيكاً مبرّراً».
ويُذكّر أبو خليل بواقع الأقضية الأربعة والعشرون قبل الحرب التي كانت تتوزّع على الشكل الآتي: 9 أقضية ذات أكثريّة مسيحيّة، 8 أقضية ذات أكثريّة مسلمة، و7 أقضية مختلطة، «لكن هذه الصورة عن لبنان تغيّرت كثيراً».
أمّا على صعيد السلطة السياسيّة المركزيّة فقد «أصبحت سلطة جماعيّة تتوزّع على ثلاثين وزيراً، أقرب إلى البرلمان منها إلى السلطة المركزيّة. فصحّ القول، إن صيغة 1943 قد ماتت وتم دفنها ووضع حجر فوق قبرها. وما كان مستهجناً من قبل، أصبح اليوم مقبولاً أو مسلماً به، وإن كان الاعتراف به، رسمياً ودستورياً، تقف دونه عقبات عديدة، ومخاوف على وحدة البلد، وربما إرادات سياسيّة فئويّة، ترى في الفدراليّة عائقاً دون توسّعها وانفلاشها على كامل الأراضي اللبنانيّة».
ويضيف أبو خليل: إنه لهذه الأسباب قيل إن الحدّ من الانكفاء المسيحي على الصعد السياسيّة والماديّة والثقافيّة والحضاريّة يكون بالفدراليّة الكاملة، أو على الأقل باللامركزيّة الإداريّة الموسّعة بعد تضمينها قدراً من الفدراليّة.
لكنّه يطرح سؤالاً أساسياً: «هل الدولة المركزيّة هي التي أدّت إلى الانكفاء المسيحي أم هو الوجود المسيحي الذي شاخ؟». ويلفت نظر الكتائبيين إلى أن الحرب الأهليّة قد تكون نتيجة للتراجع المسيحي الذي سبقها، وليست هي التي أدّت إلى التراجع المسيحي. ثم يسأل أبو خليل أيضاً: «هل من وطن بلا أرض يتمسّك بها أهله حتى الموت؟». ويعتقد أن سبب هذا السؤال هو التحوّلات على مستوى الفكر الاقتصادي، والتي رأت أن لبنان هو البلد الذي لا يزدهر اقتصادياً إلّا إذا كان «بلد خدمات أو سوقاً ماليةً، فكان الحكم في معظم الأحيان في «يد رجال المال والأعمال الذين شكّلوا الطبقة السياسيّة المهيمنة»، لكنّه لم يسمّ هذه الظاهرة باسمها العالمي «النيو ليبراليّة» أو اسمها المحلي «الحريريّة السياسيّة» ربما لأسباب سياسيّة تحكم علاقة حزبه بتيّار المستقبل.
ويستكمل التقرير السياسي هجومه على هذه السياسة الاقتصاديّة التي «تنشد الربح السريع على الأرباح الثابتة»، ويرى أنها «ناءت بثقلها على الوطن اللبناني، وبخاصّة على الوجود المسيحي الذي هو صنع أجيال». من هنا، يرى أن أي فدرالية لا تلحظ تنمية اقتصادية للأرياف بلا معنى.
كما يرى أبو خليل في تقريره السياسي، أن مصير لبنان ما زال موقوفاً على توازنات طائفيّة ومذهبية وتوازنات إقليمية هي أيضاً طائفيّة ومذهبيّة، ولذلك يشير إلى ضرورة العمل على إلغاء الطائفيّة السياسيّة في سبيل الوصول إلى دولة مدنيّة تقرّ قانوناً مدنياً اختيارياً للأحوال الشخصية، «كما لا يجوز أن يتكرّس نظام الطائفيّة السياسيّة نظاماً ثابتاً».
ويعيد التقرير السياسي طرح شعار حياد لبنان عن أزمات المنطقة، ليستعيد مقولة إن لبنان «لا شرق ولا غرب ولن يكون مقراً للاستعمار أو مستقراً له».
ويرى أن إلغاء الطائفيّة السياسيّة لا يمكن أن يحصل إلّا بالتزامن مع تحييد لبنان عن الصراعات الدوليّة والإقليميّة، والعكس صحيح. وبالتالي يجب أن لا يكون لبنان «واسطة للضغط على سوريا وإيران ولا ساحة لكسر شوكة الدولة الأعظم (الولايات المتحّدة الأميركيةّ).
«والمهم أن يقترن هذا الحياد باعتراف عربي ودولي به». فأبو خليل يرى المقاومة الإسلاميّة المتمثّلة في حزب الله «واسطة لربط لبنان بالمعسكر السوري ـــــ الإيراني في الصراع الدولي الدائر، أكثر منها مقاومة للاحتلال الإسرائيلي».

إجماع على التنظيم وترك السياسة لمكتبهاوواجه طرح الفدراليّة الذي يتبنّاه سامي الجميّل معارضة قويّة من المندوبين، ما دفع الرئيس أمين الجميّل إلى سحبه من التوصيات، لكن طرحها بقوة في التقرير السياسي أعطى الحق للجميّل الابن ومجموعة لبناننا بطرحها في الهيئات الحزبيّة حتى انعقاد مؤتمر جديد.