نقولا ناصيف
الآلية الجديدة لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية بلا تعديل دستوري، بدأ تداولها والإعداد لها قبل عطلة نهاية الأسبوع الفائت، وقبل أن يضع صاحبها النائب بهيج طبارة الحيثيات التي استند إليها لتطبيق المادة 74 من الدستور. اجتمع برئيس المجلس نبيه بري بعيداً من الإعلام في معرض مناقشة سبل الخروج من المأزق الدستوري بحل دستوري. وبعدما وضع الصيغة أرسلها إلى بري ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري وحازت تأييدهما. وكادت تعبر البارحة في الجلسة التاسعة لمجلس النواب لولا الخلاف السياسي الذي وقف عقبة في طريقها.
ولم يكن السفير السعودي عبد العزيز خوجة بعيداً من الجهد الذي رافق البحث عن هذا المخرج، من خلال اتصالات أجراها بالأفرقاء المعنيين بالاقتراح، سعياً إلى تحقيق ما ألحّ عليه لهؤلاء، وهو ضرورة استعجال انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية في أسرع وقت ممكن.
وهو الاقتراح الثاني لطبارة بعد أول كان قد طرحه، بالتوافق مع بري والحريري أيضاً، عشية الجلسة الثامنة لمجلس النواب في 11 كانون الأول، وقضى بتعليق العمل بالفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية عبر عريضة نيابية.
بمَ يدافع طبارة عن اقتراحه الثاني:
1 ـــــ يحمل الاقتراح في ذاته الحل الذي يتطلبه من خلال المادة 74 من الدستور. لا يحتاج إلى المرور بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ولا إلى عريضة نيابية. لا هو تعديل للدستور يخضع للشروط المتشدّدة التي يتطلّبها التعديل، ولا تفسير له كي يخضع لشروط التعديل نفسها، ولا تعليق على نحو ما أشيع عنه. بل لا يعدو كونه تطبيقاً للمادة 74 على نحو ما تلحظه.
2 ـــــ عوّل الاقتراح على ما كان قد كتبه الدكتور إدمون رباط في مؤلَّفه عن «الدستور اللبناني» قبل 25 عاماً، عندما شرح المادة 74، وميّز الحالات الثلاث التي تنص عليها لخلوّ منصب رئاسة الجمهورية، وهي وفاة الرئيس أو استقالته أو «سبب آخر». وقال رباط في معرض شرحه الحال الثالثة إن المقصود بها تعذّر قيام رئيس الجمهورية بمسؤولياته لأسباب صحية، أو عدم انتخاب خلف له بعد نهاية الولاية الدستورية وشغور المنصب. وهو بذلك أدرج الشغور بعد نهاية الولاية في إحدى الحالات المنصوص عنها في المادة 74، خارج نطاق الأصول التي ترعاها المادة 49 لنهاية الولاية والقيود الملزمة التي تضعها لموظفي الفئة الأولى، ومنهم قائد الجيش، كي يترشحوا للانتخابات الرئاسية في إطار المهلة الدستورية المنصوص عليها في المادة 73 من الدستور.
3 ـــــ قرار مجلس شورى الدولة رقم 535 تاريخ 29-5-2002 إبان الانتخابات النيابية الفرعية في دائرة المتن الشمالي على أثر وفاة النائب ألبر مخيبر، وسمح لرئيسة بلدية بتغرين ميرنا المر بالترشح للمقعد النيابي الشاغر على ان تستقيل من منصبها قبل 15 يوماً وليس قبل سنتين، وقد أخذ المجلس بتعليل مفاده أن القيود الموضوعة للترشح في الأحوال العادية لا يمكن تفسيرها إلا بصورة ضيقة في الوضع الاستثنائي، مستنداً أيضا إلى المادة 31 من قانون الانتخاب في هذا الشأن. وذلك كون الانتخاب الفرعي أتى في حال غير متوقعة.
4 ـــــ بالاستناد إلى اجتهاد رباط وحكم مجلس شورى الدولة، فإن الشغور المفاجئ يقع في سياق ما يسميه طبارة «أحداثاً غير متوقعة»، وهي لا تندرج في نطاق المهل الدستورية المنصوص عليها في المادة 73 بالنسبة إلى انتخاب رئيس الجمهورية، الملازمة لما تنص عليه المادة 49 لجهة القيود المفروضة على موظفي الفئة الأولى كي يُسمح لهم بترشيح أنفسهم لرئاسة الجمهورية. وما يصحّ في حالتي الوفاة والاستقالة يصحّ أيضاً في حالتي تعذّر قيام الرئيس بمسؤولياته أو استمرار شغور منصب الرئاسة خارج المهلة الدستورية. ويقتضي الأمر عندئذ اللجوء إلى أحكام المادة 74 من الدستور التي توجب انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وفي الحال التي يتطلّبها ترشيح قائد الجيش للرئاسة،
وخلافاً للمادتين 49 و73، ترعى المادة 74 انتخاب العماد سليمان بلا عوائق ولا تعديل دستوري، إذ إنّها تجعل ترشيحه للمنصب مساوياً لترشيح سواه من المرشحين غير الخاضعين للشروط المنصوص عليها في المادة 49، لكون هذا الترشيح يقع تحت طائلة أنه يترشّح لمنصب شغر تحت وطأة أحداث غير متوقعة.
وهذا ما يبدو مجلس النواب في صدد الخوض فيه في الجهود الداخلية الجارية لتحقيق اتفاق على هذه الآلية، في الأيام القليلة المقبلة، وقبل السبت موعد الجلسة التاسعة لانتخاب الرئيس الجديد.
ولأن حالاً غير متوقعة في الشغور لا تفسح في المجال أمام استقالة مبكرة للفئات المحظور عليها الترشّح، أي قبل سنتين، فإن هؤلاء لا يكونون، بالنسبة إلى طبارة، ملزمين الامتثال للقيود المنصوص عليها في المادة 49 من ضمن المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، كما في حالات نهاية الولاية دستورياً للرئيس الذاهب بعد انقضاء ست سنوات عليها، ولا يكونون ملزمين بها عندما يستمر الشغور خارج المهلة الدستورية، إذ يخضع الانتخاب عندئذ لأحكام المادة 74 حصراً.
حيال اقتراح طبارة، فإن تحفّظ البعض عنه يستمد تأثيره من الجدل السياسي الذي يرافق الخلاف على أولى حكومات العهد الجديد من جهة، وعلى أنه لا سوابق لما تشهده الحياة الدستورية اللبنانية اليوم يمكن الركون إلى تجربتها من جهة أخرى، وخصوصاً أن الفراغ في رئاسة الجمهورية يقترب من انقضاء شهر عليه، من غير أن يجزم أي من قوى 14 آذار والمعارضة بأن انتخاب العماد سليمان رئيساً للجمهورية يبدو ـــــ أو سيكون ـــــ وشيكاً. بل يسابق أحدهما الآخر في إبداء انطباعات سلبية، وقاتمة في الغالب، حيال استمرار شغور رئاسة الجمهورية.
إلا أن أكثر من حال تصحّ مقاربتها مع سوابق على صلة بأحكام المادة 74، في ما يتعلق بالشغور المفاجئ في رئاسة الجمهورية أو الحادث غير المتوقع، هي وجود حالات خبرت حادثاً غير متوقع، وشغوراً في رئاسة الجمهورية من غير أن يترك أثراً ظاهراً فيه. بل صار إلى ملء الشغور المفاجئ الواقع تحت أحكام المادة 74، لكن وفق أحكام المادة 62: استقالة الرئيس بشارة الخوري في 18 أيلول 1952، واستقالة الرئيس فؤاد شهاب في 20 تموز 1960، واستقالة الرئيس الياس سركيس في 9 تشرين الأول 1978:
ـــــ بالتزامن مع استقالته، عيّن الشيخ بشارة حكومة انتقالية برئاسة ماروني هو قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، تسلّمت صلاحيات رئيس الجمهورية إلى أن انتخب خلف له،
ـــــ وبالتزامن مع استقالته، عدّل شهاب حكومة الرئيس أحمد الدعوق بأن ضمّ إليها قائد الجيش اللواء عادل شهاب وزيراً للدفاع الوطني، ورئيس الأركان الزعيم يوسف شميّط وزيراً مكلفاً شؤون الأمن الداخلي، على أن تنتقل إليها صلاحيات رئيس الجمهورية. وعلى طرف نقيض من الشيخ بشارة لم يعمد إلى تعيين حكومة برئاسة ماروني.
ـــــ ومع أن سركيس كتب استقالته، ولم يسلّمها إلى رئيس المجلس على غرار سلفيه، فقد عزم هو الآخر على تأمين انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة برئاسة ماروني قبل أن يتراجع عن الاستقالة.
ينطبق شغور الرئاسة في الحالات الثلاث هذه، كأحداث غير متوقعة، على أحكام المادة 74 من الدستور، وخارج نطاق المهلة الدستورية.
أمّا الرئيس الذي يصحّ القول في انتخابه تحت أحكام المادة 74، خارج المهلة الدستورية لنهاية ولاية سلفه، فهو الرئيس رينه معوّض الذي انتخب في 5 تشرين الثاني 1989، بعد سنة وشهر و13 يوماً من انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذّر انتخاب خلف له، وإن عيّن الأخير قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية انتقلت إليها صلاحيات رئيس الجمهورية.