149; عون: التفاوض في الرابية والتفاهم الآن وإلا ففرصة طويلة لما بعد شهر آذار
لم يأت الحل السحري الذي اشترط النائب وليد جنبلاط حصوله لانعقاد الجلسة النيابية أمس، ولم يتمسك اللبنانيون ــ الرسميون طبعاً ــ بالفرصة الأخيرة التي حدّدها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، فأُجِّل انتخاب الرئيس مجدداً

النتيجة السلبية لجلسة مجلس النواب أمس، لم تخل من إيجابيات سبقت بيان التأجيل «الروتيني»، أولاها عودة الحرارة إلى خط المختارة ـــــ عين التينة، وثانيتها مغازلة الرئاسة الثالثة للثانية من باب التذكير بأيام الصمود «معاً»، أما ثالثتها، فهي النجاح، ولو المؤقت، لجهاز التكييف في ردهة مجلس النواب ومكتب رئيسه في تبريد جبهة قريطم ـــــ عين التينة التي شهدت منذ مساء الجمعة الماضي تقاصفاً متبادلاً استُخدِمت فيه كل الأعيرة الكلامية.

3 خلوات و«عيدية» السنيورة لبرّي


فعلى وقع تحليق الطيران الحربي الإسرائيلي، الذي بقي في الأجواء اللبنانية إلى ما بعد الوقت الرسمي لـ«اللاجلسة»، بعشر دقائق، حطّم النواب رقمهم القياسي السابق، إذ حضر إلى الموعد التاسع لانتخاب رئيس جديد، مئة ونائبان، بدأوا يتوافدون منذ العاشرة قبل الظهر، وعقدوا لقاءات جانبية، فيما اجتمع رئيس المجلس نبيه بري مع عدد منهم وجَمَع «المتقاصفين»، ثم اختلى على التوالي بجنبلاط ثم بوفد من كتلة «التغيير والإصلاح»، فالنائب سعد الحريري، ليذاع عند الواحدة والنصف قراره بتأجيل جديد إلى ظهر السبت المقبل.
وبعد التأجيل، أعلن النائب ميشال المر أن «مصالحة تمّت بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري». وقال النائب علي حسن خليل «إن الأمور تسير جيداً، ولا مانع من تقريب موعد الجلسة»، آملاً أن يكون الوقت حتى الجلسة المقبلة «كافياً لإنضاج الحل»، وكشف أن «النقطة الأساسية تتمحور حول طريقة المشاركة في الحكومة»، لافتاً إلى أن النائب ميشال عون «جزء أساسي من الحل، ويجب أن يكون في مقدمة الذين يصوغونه».
وكانت «العيدية» التي تلقّاها بري من «الأخ» رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، قد سرقت الأضواء من كل المباحثات والخلوات، حتى المفاجئة منها، وخصوصاً أنها تجاوزت طابع التهنئة التقليدية بالأعياد إلى رسالة خاطبه فيها: «لقد صمدنا معاً في زمن الحرب في الجنوب والشمال، وفي وجه الاغتيالات الإجرامية والإرهابية، وفي وجه استمرار الشحن السياسي والطائفي والمذهبي، وسنظل معاً في زمن السلم والإعمار والبناء الوطني، من أجل خير اللبنانيين جميعاً، وتحقيقاً لآمالهم في قيام الدولة القوية التي ينتظم عمل مؤسساتها الدستورية لتحصين الوطن والناس والمستقبل الحر والكريم».
وأضاف: «لقد صمدنا معاً يا دولة الرئيس، في زمن الأزمة، وسنظل معاً في زمن السلم وفي مواصلة عمليات الإعمار والبناء الوطني والمؤسسات الدستورية المنتظمة، في وطن سيد عربي حر ومستقل».
وتابع مخاطباً: «دولة الأخ الرئيس»: «كذلك أودّ أيضاً لمناسبة هذا العيد السعيد والمبارك أن أثمِّن عالياً إسهام كل من وقف إلى جانب الدولة ومؤسساتها وإلى جانب الدستور وأحكامه، كما أنني أودّ التنويه بالفعل بكل جهد يبذل من أجل التشجيع على انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومن أجل انتظام عمل المؤسسات الدستورية».
وبعدما سأل «الله القدير، أن يوفّقنا وإياكم في سعينا الحثيث لحماية كياننا الوطني، وللنهوض ببلدنا من جديد، واستعادة استقراره وعافيته وألقه بإذن الله تعالى». ختم بالقول: «وتفضلوا يا دولة الرئيس بقبول أسمى تحياتي وخالص مودّتي، وكل عام وأنتم بخير».
وبعد الظهر، استقبل السنيورة جنبلاط يرافقه الوزراء: مروان حمادة، غازي العريضي ونعمة طعمة، قرابة ساعة، غادر بعدها جنبلاط دون الإدلاء بأي تصريح.
فرصة طويلة لما بعد شهر آذارولكن، في ما عدا «عيدية» السنيورة وخلوات بري وأحاديث عدد من النواب عن انفراجات، فإن أجواء ما بعد «ظهرية» مجلس النواب، عادت إلى ما قبلها، حيث حدّد النائب ميشال عون «الآن» موعداً للتفاهم، وإلا «فلنأخذ فرصة طويلة ...لما بعد شهر آذار». وقال: «حتى إشعار آخر، أنا المفاوض باسم المعارضة»، و«الكلمة الفصل موجودة معي، وبنود التفاوض متفق عليها وموجودة في جيبي»، رافضاً التنازل عن أي بند «إلا وفقاً لتفاوض وشروط معينة»، مضيفاً: «إذا لم يكن هناك من تفاوض هنا (الرابية) فلا انتخابات في مجلس النواب».
وقال إن مساعد وزيرة الخارجية الأميركية دايفيد ولش أعطى قوى الموالاة «تعليمات» كي لا يتصلوا بالرابية. ودعا الحريري «إذا كان لا يريد التفاوض» إلى أن يرفضه، «ولن ننتخب رئيساً، وهذا فعلاً ما يريده هو»، متهماً الموالاة بأنها «تخلق المشاكل» للتراجع عن ترشيحها لقائد الجيش. وحصر «الجفاء» مع جنبلاط بالسياسي، «ولم يكن مرة جفاءً شخصياً».
وإذ اشترط للتعديل الدستوري «الإجماع الوطني»، قال للبنانيين: «إذا لم أقل لهم أنا على التلفزيون والراديو أننا تفاهمنا ورأوا بأم أعينهم أننا متفاهمون، فلا يصدّقوا أنه سيحصل انتخاب في أي جلسة من الجلسات».

جعجع: الحلحلة مناورة سورية

وعلى صعيد الموالاة، رأى الرئيس أمين الجميل، خلال الاجتماع الموسّع لحزب الكتائب، أن «الاكتفاء بتفسير دستوري يتولّاه مجلس النواب دون إعطاء أي دور للحكومة كما ينص الدستور (...) محاولة للانقلاب على الدستور أو على الأقل للالتفاف عليه»، رافضاً «تكريس أعراف جديدة تطيح بالدستور نصاً وروحاً، وابتداع وسائل للانقلاب عليه».
وقال الوزير ميشال فرعون إن الحكومة «ليست معنية» بما حصل في ساحة النجمة، «إذ قد تلجأ إلى مشروع قانون لتعديل الدستور وترسله إلى المجلس ربما غداً (اليوم) أو في خلال الأيام المقبلة».
كذلك رأى رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، في حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «ما طُرح وسُمِّي تفسيراً للدستور هو محاولة التفاف ولعب على الدستور». وقال إن «أفضل آلية» هي أن يجتمع مجلس الوزراء «ويرسل مشروع قانون بالتعديل إلى المجلس النيابي».
وأشار إلى أن ما قيل عن حلحلة هو «مناورة» سورية «لتبريد الضغوط الأميركية والفرنسية»، ورفض «طرح الشروط قبل الذهاب إلى جلسة الانتخاب»، متهماً سوريا و«حلفاءها» بأن «استراتيجيتهم: إما أن يأخذوا السلطة كلها، بعد أن خرجوا عسكرياً من لبنان، عبر ابتزازنا، أو يُبقون السلطة معطلة».
وكان المكتب الإعلامي لجعجع قد أعلن عن اتصال بينه وبين ولش ليل الأحد ـــــ الاثنين، عرضا خلاله مساعي الأخير «لحل أزمة الانتخابات الرئاسية».
واتصل وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بنظيره اللبناني إلياس المر، معزياً باللواء الركن فرنسوا الحاج، ومعلناً «دعم البنتاغون والإدارة الأميركية للجيش اللبناني، وخصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب»، والاستعداد لـ«تقديم المزيد من المساعدات العسكرية» له.

«لا تبدلات حقيقية في السياسات الأميركية»

في المقابل، نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن ممثل مرشد الثورة الإيرانية في المجلس الأعلى للأمن القومي، علي لاريجاني، توقّعه ألاّ يكون لزيارة ولش إلى لبنان «تأثير كبير، لأنهم قاموا بمثل هذه النشاطات بكثرة في السابق أيضاً، لكن القوى اللبنانية الآن تشعر بضرورة الوقوف على قدميها من أجل مستقبل بلادها».
واتهم الأميركيين بالسعي إلى زرع الفتنة ومنع التوافق، وبأنهم «لم يشعروا بالارتياح من تقارب فريقَي السلطة والمعارضة في لبنان». وقال: «بالقدر الذي يريد فيه الأميركيون القيام بالمغامرات واستهداف الوحدة والسلام في لبنان، يجب أن يعمل اللاعبون الآخرون ـــــ اللبنانيون ـــــ كي يعيدوا الوحدة إلى بلدهم».
ورأى أن اغتيال الحاج «كان يهدف إلى إحداث فتنة يقف وراءها الصهاينة، لأن الساحة في هذا البلد كانت تقترب من تحقيق وحدة بين الأفرقاء».
بدورها اتهمت صحيفة «تشرين» السورية، «المحافظين الجدد» في الإدارة الأميركية، بأنهم يريدون لبنان «حقل تجارب لسياساتهم ومخططاتهم في المنطقة، وأداة من أدواتهم التخريبية، وهذا يقتضي أن يظل غير مستقر». ورأت أن «لا تبدلات حقيقية في السياسات الأميركية»، وأنهم يتعاملون «مع ملفات المنطقة بالعنجهية ذاتها، وبما يؤدي إلى الإبقاء على الأوضاع ملتهبة، وربما أكثر التهاباً».
من جهة ثانية، يصل اليوم إلى بيروت المبعوث الخاص لشؤون الشرق الأوسط لحكومة جمهورية الصين الشعبية سون بيغان، في زيارة تستمر حتى يوم الجمعة، يلتقي خلالها السنيورة والحريري ووزير الخارجية والمغتربين المستقيل فوزي صلوخ وقائد الجيش ميشال سليمان، كما يتفقد قوات بلاده المشاركة في قوات «اليونيفل».