strong>غسان سعود
• إجراءات أمنية قاسية لجلسة انتخاب رئاسي فاشلة

لم ينقص اللبنانيين عشية أعياد لا يجدون فيها بجيوبهم ليرات تفيها حقها، إلا إجراءات أمنية غريبة حالت دون وصولهم إلى أعمالهم، الأمر الذي زاد توتر الناس وقرفهم من طبقة سياسية لا تهتم لمشاعر الشعب أو موقفه من الأحداث التي تعصف به يساراً ويميناً

بكثير من الاستخفاف، بات اللبنانيون يتابعون الدعوات التي يوجهها الرئيس نبيه بري إلى النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، وكانت الجلسات السلبية الثماني الماضية كفيلة إحباط من كرر الرهان على حصول مفاجآت. فاستيقظ معظم الناس أمس كأنهم أمام يوم عمل عادي، غير أن المفاجأة تمثلت بإجراءات أمنية غريبة اعتمدتها القوى الأمنية، جاعلة من الموعد التاسع لانتخاب الرئيس يوماً مأسوياً لكل من قرر التوجه إلى بيروت، وتحول مطلع أسبوع الأعياد إلى محرقة للأعصاب دفعت بكثيرين إلى وضع انتماءاتهم الحزبية جانباً والجهر بقرفهم من الطبقة السياسية «التي تستخف بكرامات الناس وحقوقهم، وتتصرف معهم كقطيع غنم». ووصل الأمر ببعض الحانقين من أداء المسؤولين، حتى على مستوى تنظيم السير، إلى حد الهتاف بأعلى صوته داعياً الشعب للثورة على الطبقة السياسية.

زحمة استثنائية

فيما النواب يتنقلون متبسمين في المجلس النيابي، أقفلت الطرق بوجه محاولات المواطنين الهروب من الزحمة، فالتحويلات الغريبة جعلت الوصول إلى بيروت من مدخليها الشمالي والشرقي مستحيلاً. وامتلأت الأزقة الصغيرة بسيارات عالقة في أماكنها لا تعرف من أين أتت ولا إلى أين تذهب، واضطر تلامذة المدارس إلى ترك باصاتهم والتوجه إلى مدارسهم سيراً، فيما لجأ البعض إلى الركض خوفاً من «مدير قد لا يرضى بحجة التأخير». أما طلاب الجامعات فكانوا أكثر قلقاً، إذ ترفض بعض الجامعات الخاصة قبول تأجيل الامتحانات مهما كان العذر. وتحدث بعض هؤلاء الطلاب عن سخطهم من الزحمة والسياسيين الذين يسببونها. ودعا بعضهم إلى التفاف الشباب بعضهم على بعض ليثوروا على هذه الطبقة السياسية التي تستلذ إحراق أعصاب اللبنانيين اليوم كما استلذت سابقاً إحراق بعضهم دماء بعض. ولم يتردد بعض طلاب الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية وهايكازيان في التوجه إلى جامعاتهم سيراً، وكذلك فعل معظم الموظفين الذين «ظبطت معهم» وقصدوا أعمالهم بالباصات وسيارات الأجرة. فيما اضطر أصحاب السيارات إلى البقاء فيها ساعات طويلة أخرتهم عن أعمالهم المكثفة غالباً في مطلع الأسبوع. وقد تعطلت عشرات السيارات بسبب الزحمة، وتكاثرت الخلافات بين المواطنين وعناصر القوى الأمنية الذين تشددوا في تنفيذ المهام الموكلة إليهم لدرجة إجبار من يريد ركن سيارته في الموقف المجاور لمنزله في منطقة عين المريسة، مثلاً، أن يمضي ساعتين في الزحمة ليلتف عند الحمام العسكري قرب المنارة ويعود ليجد بين الأمنيين من يقول له إن الطريق مقفلة. وقد منعت القوى الأمنية السيارات من التوقف على جانبي الطريق، رغم امتلاء المواقف، مما زاد من كثافة الزحمة وتوتر الأعصاب.
وتحدث بعض المواطنين بكثير من الحرقة عن عدم قدرتهم على تحمل مزيد من الإذلال والتعذيب، مؤكدين أن الحجة في الأسبوع الماضي كانت في العاصفة الاستثنائية، أما اليوم فيبدو الأمر انتقاماً من الناس. ولم يتردد البعض في مطالبة وزير الداخلية والبلديات، بغض النظر عن انتمائه السياسي، بالاستقالة أو تبرير ما يحصل.
وفي الطريق بين جسر فؤاد شهاب ومدخل الحمرا تكثر الوجوه الغاضبة. هنا رجل يتذمر من سياسيين «يختلفون فيدفّعون الشعب الثمن إقفالاً للمصالح، ويتفقون فيقفلون الطرق ويمنعون الناس من الوصول إلى أعمالهم». وهنا سيدة تتساءل عن جدوى مضايقة المواطنين بإجراءات ثبت أنها دون فائدة أمنية. وعلى مدخل النفق المختنق بالناس سيدة أخرى تشتم السياسيين، ضارعة إلى الله أن ينجي اللبنانيين منهم ويضع حداً لاستهتارهم بالمواطنين. وسط تساؤلات طرحها البعض عمّا يمكن أن يحصل لو تعرض أحدهم لعارض صحي، فيما لم يستطع البعض الآخر السيطرة على أعصابهم فأطلقوا أبواق سياراتهم بطريقة هستيرية. ليكتمل المشهد مع الأولاد المتعبين من الانتظار، الذين لم يجدوا وسيلة اعتراض غير البكاء والصراخ. علماً بأن القوى الأمنية لم تكتف بهذا القدر من التعطيل لحركة السير، بل عمدت إلى منع باعة الصحف والكعك والقهوة الذين يكونون عادة بكثافة في الطرق الرئيسية المؤدية إلى بيروت، حارمة المواطنين ما يمكن أن تخفف عنهم ضيقهم.
ومع مرور الوقت، بدأ النقاش السياسي يأخذ مداه بين شبابيك السيارات ومعه تحليل أسباب الازدحام، فيربطها البعض بمخطط للموالاة هدفه إثارة امتعاض جمهور المعارضة من عناد مسؤوليها وتشبثهم بمواقفهم التي تحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي المقابل يراها آخرون نموذجاً لأداء الموالاة السيئ في إدارة شؤون البلد، متسائلين عن قيمة حكومة لم تستطع حل مشكلة السير خلال سنتين. وتساءل المواطنون عمن سيعوض لهم يوم العطلة القسرية التي كلفتهم نفسياً أكثر مما كلفتهم اقتصادياً. علماً بأن القوى الأمنية تصر، في كل موعد لجلسة انتخاب، على إقفال عشرات المؤسسات في وسط بيروت، الأمر الذي يسبب خسائر كبيرة لأصحابها والموظفين فيها. ومع تتبع العالقين في الازدحام لما يحصل في المجلس، تفاءلوا بأن تثمر تضحيتهم حلاً. لكن سرعان ما قضى المسؤول الإعلامي للمجلس النيابي محمد بلوط على هذه الآمال بإعلانه تأجيل الجلسة، مبلغاً اللبنانيين بطريقة غير مباشرة أن أهل المجلس لم يكترثوا بما صادفهم خلال «يوم الحشرة الطويل».

جايي
العيد


وجوه حانقة تملأ السيارات، وجوه غاضبة تفتعل الابتسام، وتنتظر من الجار أن «يمرحبها» لتسارع إلى التنفيس عن غضبها عبر شتم السياسيين. يقول الناس في أرض الزحمة إنهم سئموا السياسة ورئاسة الجمهورية والجمهورية. وسئموا نشرات الأخبار والتحليلات الكاذبة والنفاق. يقلد البعض سائقي الأجرة بإطفاء السيارة بين الحين والآخر، ويتساءلون في غمرة الانتظار عمّن يعوض لهم الخسارة المالية والتوتر. وعبثاً يحاول البعض تلطيف الأجواء، فالحالة «لا تُحتمَل»، يقول أحد الشبان، ويكمل سائلاً عمّا ستكون الأوضاع خلال أسبوع العيد، وخصوصاً أن زحمة عيد الميلاد الماضي لا تزال عالقة في الأذهان. فيجيبه سائق آخر بأن الوضع الاقتصادي وغلاء البنزين سيحلان الأزمة هذه السنة!