الزهراني ــ آمال خليل
لم يكن سهلاً على «ست البيت» ريم جحا أن تأخذ القرار الصعب وتعود إلى المدرسة من جديد بعد سنوات على زواجها وإنجابها ثلاثة أبناء، فيما كان هيّناً على قريناتها في الحي وقريباتها أن يهزأن من تضييع الوقت والإهمال الذي تقوم به عندما تترك بيتها في السكسكية (قضاء الزهراني) كل صباح لتذهب إلى مركز للتدريب على حياكة السجاد اليدوي. وإن كان عمرها الثلاثيني يشفع لها قليلاً، فلا شيء شفع لزهرة قزيحة الستينيةمن «نكات» جيرانها وأحفادها عندما تركب باص المدرسة كل صباح وتقطع أربع بلدات لتصل إلى المشغل. لذا فإنه جليّ ألا يحظى الإعلان، منذ سبعة أشهر، عن البدء بدورات مجانية ومفتوحة وميسّرة للتدريب على حياكة السجاد اليدوي في بلدتي اللوبية والسكسكية، والمنشور على الجدران في البلدات المحيطة، إلا بقليل من التجاوب لدى بعض السيدات اللواتي رتّبن شؤونهن المنزلية كأنهن أصبحن بين ليلة وضحاها عاملات. لكنهن أصبحن بعد ستة أشهر من التدريب مثالاً منتجاً وفعّالاً للبعض.
مشروع التدريب الذي تنفّذه الجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين في الصرفند بدعم من مجلس الإنماء والإعمار انطلق بحسب مديرة الجمعية مها شومان جباعي، من «إشكالية تأمين حرف ومعارف وسبل عيش لذوي الاحتياجات الخاصة ليحقق حياة لائقة بهم في ظل التهميش الذي يعانونه من المجتمع ومؤسسات الدولة المعنية، اللذين يغلقان بإحكام باب سوق العمل في وجههم». من هنا أجرت الجمعية دراسة ميدانية في البلدات المحيطة بها عن أوضاع المرأة في محيط المعوق وذي الاحتياجات الخاصة لدعمها ومساعدتها وتدريبها لتصبح منتجة. وشملت الدراسة خيارات النساء المعوقات والقريبات من المعوق (أمه وزوجته وابنته وأخته) المفضّلة في مجالات العمل، وتبيّن أن معظمهن يفضّلن الأشغال والحرف اليدوية المنزلية. وإذ توافر الدعم المالي من مجلس الإنماء والإعمار في إطار الخطط التنموية لسكّان الأطراف، قررت الجمعية اعتماد التدريب على حرفة صناعة السجّاد اليدوي الذي استعانت فيه بنساء من بلدتي عرسال والفاكهة البقاعيتين، حيث تشتهر هذه الصناعة، لتدريب المتعلّمين على مدى الأشهر الستة الماضية، أصبحت خلالها بعض النساء المتدربات مدرِّبات للمنتسبين الجدد إلى المشغل. ولدى نجاح التجربة وبدء المتدربات بالإنتاج الذاتي، فتحت الدورة لذوي الاحتياجات الخاصة الذين يتابعون في الجمعية العلاج الفيزيائي وتدريباً في مشاغل الميكانيك والخياطة والأشغال اليدوية والمتسربين من المدرسة الذين يحصّلون تعليمهم، بأن ينتسبوا كذلك إلى مشغل صناعة السجاد اليدوي الذي يواصل تقديم الدورات المستمرة حتى يتحول لاحقاً إلى مركز دائم للتدريب على الحرف التراثية وإحيائها.
وإذ انتهت المجموعة الأولى التي أفرزت إنتاجاً من السجاد اليدوي، برزت الحاجة إلى تصريفه ليحقق المشروع هدفه في تمكين المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة اقتصادياً وتعزيز إنتاجهم وتنمية المجتمع. ولأن ليس بالإمكان الاعتماد على مؤسسات الدولة، أعلنت مديرة الجمعية العمل على إنشاء تعاونية ومعرض دائم للمنتوجات في لبنان والخارج، بالإضافة إلى السعي للحصول على قروض للمتدربين، داعية «المستهلك اللبناني إلى دعمهم، وخصوصاً أن قيمة المنتجات ليست مرتفعة، ويحافظ بها على التراث».
لكن البعض منهم لم ينتظر حتى يأتيه المال الموعود، كنجاح كوثراني التي صنعت في بيتها نولاً بسيطاً من أشرطة حديد وخيطان، وبدأت بصناعة السجاد اليدوي في بيتها، بالإضافة إلى تدريبها للمتعلمين في المشغل حيث تدرّبت. وتأمل نجاح أن تنجح في تكوين مشروع اقتصادي متكامل إثر تمكنها من بيع إنتاجها على الصعيد المحلي بين أقربائها وسكان بلدتها، عساها تحقق أماناً اقتصادياً يحقق لها أماناً اجتماعياً وأشياء أخرى بعدما انتهى دورها «كامرأة وجدت لتتزوج وتهتمّ برجلها ثم بأولادها وأولادهم إلى ما لا نهاية».