الشجرةالخضراء المزيّنة داخل المنزل، بابا نويل محمّلاً بالهدايا، وغيرها من «أكسسوارات العيد المتعارف عليها عالمياً، كلّها في الحقيقة تقاليد أوروبية بامتياز. فالمجتمعات الغربية «خلقت» هذه الشعائر واعتمدتها تقليداً سنوياً لها يعرفه كل أبنائها. فمع بدء الاستيطان في أميركا، أو ما كان يعرف في القرنين السابع والثامن عشر بالعالم الجديد، حمل المهاجرون الأوروبيون تقاليد عيد الميلاد معهم، واختلطت العادات والأساطير والشخصيات بعضها ببعض فولّدت تقاليد أخرى.هكذا مثلاً ولدت أسطورة «بابا نويل» أو «سانتا كلوز» في مدينة نيويورك في القرن التاسع عشر. ففي شوارع تلك المدينة عاش واختلط مهاجرون ألمان وهولنديون مع باقي الشعوب الأوروبية ليكوّنوا لاحقاً المجتمع الأميركي. وكان لكل من تلك الشعوب، بالإضافة إلى الشعائر الدينية، شخصية خاصة بعيد الميلاد وهي القديس نيقولاوس المعروف عنه حبه للأولاد الصغار وتوزيعه الهدايا عليهم.
لكن الأساطير تختلف بشأن شخصية هذا القدّيس. فالمهاجرون من أصل هولندي مثلاً كانوا يطلقون عليه اسم Sinterklaas، وهو بالنسبة إليهم شاب طويل القامة ذو منصب ديني مهم، يجوب العالم محلِّقاً عالياً في السماء على حصانه الأبيض وينقذ الأطفال الصغار من الأشغال الشاقة. أما بالنسبة إلى المهاجرين الألمان، فرجل الميلاد هو القديس نيقولاوس، الرجل المسنّ ذو اللحية البيضاء الذي يجوب العالم عشية الميلاد ويوزع الهدايا، ويرافقه مخلوق صغير القامة يدعى بيتر الأسود، مؤنّباً الأولاد غير المطيعين. وفي نيويورك، اختلطت الأسطورتان ومزايا الشخصيتين فولدت شخصية ثالثة هي «سانتا كلوز». و«سانتا كلوز» هو رجل مسنّ بدين، لطيف ومرح يحلّق في السماء على عجلة يقودها غزلان، ويساعده في مهمته أشخاص صغار الحجم لطفاء، يكافئون كل الأطفال من دون تفرقة.
وبدأت الأسطورة بالتداول بين الناس، ولم تترسخ كحقيقة في عقول الأميركيين إلا حينما قرر والد تسلية ابنته فكتب قصيدة عن «سانتا كلوز» وحياته وتوزيعه للهدايا ونشرها في إحدى الصحف، وبدأ رسّامو الجريدة بتخيّل الشخصية ورسمها. وفي أقلّ من قرن، تحوّلت الأسطورة إلى حقيقة. وأصبح لـ«سانتا كلوز» بيت عنوانه القطب الشمالي وله مساعدون يعملون كلّ السنة... وبقيت القصة الطريفة مثار جدل إلى أن قررت شركة «كوكا كولا» تحويل الشخصية إلى سلعة استهلاكية تستخدمها هي. ففي بداية ثلاثينيات القرن الماضي، ألبست الشركة «سانتا كلوز» ثيابه الحمراء، والأحمر هو شعار الشركة، وأعطته قنينة من المشروب الغازي، وأمطرت الولايات المتحدة بالإعلانات، وتركت مبدأ ترسيخ هذه الصورة لـ«سانتا كلوز» رهناً بقوة الإعلانات، فربحت رهانها واختفى القديس نيقولاوس أمام عظمة «سانتا كلوز». وما هي إلا سنوات قليلة حتى اختفت شعائر الميلاد أمام قوة هذا الرجل المسن، فأصبح هو من يبشر «بروح عيد الميلاد» ومن يكافئ على عمل الخير في تلك الأمسية. وفي أقل من قرن، خسر عيد الميلاد كل خلفيته الدينية المسيحية، وأصبح سلعة استهلاكية تتقاتل عليها الشركات.
هذا الأمر كان حافزاً لدول أميركا اللاتنية للحدّ من هذه الظاهرة وإبقاء بعض الصفات الدينية للعيد، فحوّلت بدورها أسطورة سانتا كلوز: فهو يصنع الألعاب للأطفال على مدار السنة ومن ثم يعطيها للسيد المسيح الذي يوزعها على الأطفال. لذا، فالهدايا توضع في المنازل قرب المغارة والشجرة ولا تعطى للأطفال من قبل «سانتا كلوز».
أما شجرة العيد المزيّنة داخل المنازل، فهي تقليد ألماني بدأه بحسب الروايات الشعبية مؤسس الكنيسة البروتستانتية مارتن لوثر في القرن السادس عشر حينما أُعجب بجمال شجرة التنوب التي تضيئها نجوم السماء. فاقتطع غصناً منها وزيّنه بالشموع ليذكّر أولاده بجمال الطبيعة التي خلقها الله. وسرعان ما عمل الألمان بهذه العادة حتى أصبحت تقليداً متّبعاً في بلادهم. فهم كانوا يعتمدون على الشمع لتزيين الشجرة خلال أمسية الميلاد. وما ساعد على انتشار التقليد عالمياً كان الهدية التي قدّمها سنة 1841 أمير ألمانيا ألبرت إلى زوجته الملكة فيكتوريا، ملكة بريطانيا، حينما قدم لها شجرة عيد الميلاد مضاءة بالشموع. فكانت تلك أول شجرة تزيّن في بريطانيا. ولكن أحب البريطانيون التقليد واتبعوه. أما عن انتشاره في العالم، فللمهاجرين البريطانيين والألمان الفضل في ذلك، وكانت أيضاً المدن الأميريكية أول شاهد على هذا.
ومع الوقت وتطوّر الصناعات، تحوّلت الشموع الطبيعية أولاً إلى شموع اصطناعية، وأضيفت إلى الأغصان كل أنواع الزينة الممكنة التي قد يكون لها صلة بأسطورة سانتا كلوز أو قصة الميلاد.