نقولا ناصيف
اهتم دبلوماسيون غربيون باستمزاج أفرقاء أساسيين في قوى 14 آذار آراءهم في الموقف الأخير للرئيس الأميركي جورج بوش (20 كانون الأول)، الذي دعا فيه الغالبية إلى انتخاب رئيس بنصاب الأكثرية المطلقة. فإذا جواب هؤلاء أن بوش تأخر شهرين على الأقل لإطلاق موقفه هذا. بدت هذه إشارة إلى عدم حماسة 14 آذار للعودة إلى مطلب كان أقل كلفة قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وبات الآن أكثر تعقيداً لكونه يقتضي التخلي دفعة واحدة عن التوافق وترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً بعدما قال العرّابون الفعليون لهذا الترشيح، وهم الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، أكثر من مرة، إنه موقف نهائي لا رجعة عنه ولا عن التوافق. ويقتضي موقف بوش أيضاً، بالنسبة إلى 14 آذار، البحث مجدداً عن مرشح يقبل بأن يكون رئيس نصاب النصف الزائد واحداً. بل أيضاً وأيضاً جمع هذا النصاب من المنضوين في هذا الفريق.بل لعلّ الوزر الأكبر في ما قاله الرئيس الأميركي، هو أن مناداته الموالاة بانتخاب رئيس بنصاب الأكثرية المطلقة تعبّر عن تخلي واشنطن عن دعم ترشيح قائد الجيش.
وهكذا يصبح التخلي مزدوجاً: عن نصاب التوافق، وعن مرشح التوافق.
بذلك أفضى كلام بوش إلى خلط المواقف، في قوى 14 آذار وخارجها، بعضها ببعض. وهو سبب يحمل الدبلوماسيين الغربيين الذين أصغوا إلى ردود فعل الغالبية، على طرح ملاحظات، بينها:
1 ـــــ اعتقادهم بعدم تحميل كلام الرئيس الأميركي أكثر مما يقتضي أن يحمل، لكونه رد فعل على سلسلة مواقف استفزازية أطلقها وزير الخارجية السوري وليد المعلم، بتمييزه بين الأميركيين والفرنسيين في طريقة مقاربة الاستحقاق الرئاسي اللبناني، أو بتعويله على استمرار الحوار بين باريس وواشنطن من أجل انتخاب سليمان رئيساً، أو بتبنّيه حتى مواقف المعارضة وأن التفاهم السياسي على السلّة المتكاملة يتقدّم انتخاب سليمان.
2 ـــــ لا يحول الموقف الأميركي دون استمرار الحوار الفرنسي ـــــ السوري حيال انتخابات الرئاسة، ولا ينهي حكماً التفويض المعطى إلى الفرنسيين أو يجمّد حركتهم. ويقرن الدبلوماسيون الغربيون ظنّهم هذا بالقول إن المكالمات الهاتفيّة التي أجراها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مع نظيره السوري بشّار الأسد أكثر من العدد المصرّح عنه، بل لعلّها بلغت خمسة اتصالات هاتفية كُشِفَ عن ثلاثة منها فقط. كذلك فإن الاتصالات الموازية بين الوزير المعلم والأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيان لم تتوقف، وأضحت دورية، ويردد الدبلوماسيون أنها تكاد تكون يومية للتشاور وإخراج انتخابات الرئاسة من مأزقها. ورغم وفرة مآخذ الدبلوماسية الفرنسية على الدور السلبي لدمشق بإزاء الاستحقاق وعدم تعاونها لإتمامه، فإن واقع العلاقة بين الدولتين أكثر حرارة من التصعيد السياسي المحيط بمواقف كل منهما حيال الآخر.
3 ـــــ خلافاً للموقف الذي أعلنه بوش قبل يومين، فإن موفده مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى دافيد ولش في زيارته الأولى لبيروت نهاية الأسبوع الفائت، ثم زيارته الثانية مع مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي إليوت أبرامز هذا الأسبوع، لم يطالب قوى 14 آذار بالإقدام على انتخاب رئيس للجمهورية بنصاب الأكثرية المطلقة ولا اتخاذ موقف يستشم منه محاولة فرض إرادة الغالبية على المعارضة، بل تشجيع قوى 14 آذار على الصمود وتأكيد وقوف واشنطن إلى جانبها في معركتها السياسية. في هذا السياق تقع «رسالة» واشنطن إلى الرئيس ميشال عون عبر مقاطعته. لقد امتنع ولش عن الاجتماع به في زيارتيه، مع أن السفير في بيروت جيفري فيلتمان لم ينقطع عن الاتصال بعون والاجتماع الدوري به. الأمر الذي يدرجه الدبلوماسيون الغربيون في إطار الرسالة نفسها، المزدوجة المغزى، وأن واشنطن تدعم مسيحيي قوى 14 آذار وتؤكد اعترافها بشرعيتهم هم، الشعبية والتمثيلية، في معادلة الحلفاء في لبنان.
4 ـــــ أن ثمة أساساً جدياً للتسوية بين قوى 14 آذار والمعارضة من خلال البنود الثلاثة التي أرساها لقاء رئيس المجلس نبيه بري ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري في حضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في 5 كانون الأول و6 منه. وخلص بري والحريري إلى التوافق على تعديل الدستور لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية، وتأليف حكومة وحدة وطنية، وإقرار قانون متوازن للانتخاب. إلا أن الاتفاق ظلّ في إطار المبادئ العامة، ولم يوقعه الزعيمان الشيعي والسني بعدما رغب كل منهما في العودة إلى حلفائه، ولم يكن كوشنير يأمل توقيعه هو الآخر لكونه أبقى نفسه شاهداً على حوار الرجلين، لا شريكاً فيه. في اليوم التالي، 6 كانون الأول، طفت التفاصيل على سطح التفاهم. وبعدما وافقا على المبادئ العامة التبست بينهما النتائج: أراد بري من حكومة الوحدة الوطنية الثلث المعطل للمعارضة، فيما اعتقد الحريري أن مجرد انفتاح قوى 14 آذار على فكرة حكومة الوحدة الوطنية يشير إلى تنازل رئيسي يقع بين حدّي التخلي عن ثلثي الحكومة للموالاة في مقابل عدم إعطاء المعارضة الثلث المعطل. إلا أنه جعل الاتفاق على الآلية الدستورية لانتخاب سليمان شرطاً أساسياً لإتمام التسوية. وسرعان ما اختلفا على تفسير «السلّة» دستورياً وسياسيّاً. فكان أن طار الاتفاق.
5 ـــــ لا يقلل الدبلوماسيون الغربيون من شأن العقبة التي يمثلها عون والشروط التي يضعها للدخول في حوار جدي مع الموالاة. وهو لا يتردد في القول إنه لا أحد في الداخل أو الخارج، يمثل ضماناً لأي اتفاق بين طرفي النزاع ما لم يكن هذا الاتفاق موقعاً. يقول ذلك عن الفرنسيين وسواهم من الوسطاء الأوروبيين، ويعزو أمام محدثيه الدبلوماسيين الغربيين موقفه هذا إلى انهيار كامل للثقة، أضف إصراره على الثلث الضامن للمعارضة في أولى حكومات العهد الجديد، وتشبّثه بأن يعترف الحريري به مفاوضاً وحيداً عن المعارضة، وأنه هو مَن يضع والحريري ـــــ أو سواه من الفريق الآخر ـــــ قواعد التسوية.