strong>غسان سعود
•العيد يسلّط الضوء على بؤس العكاريّين ويذكِّرهم بماضٍ عزيز

لم تستطع الأعياد أن تعيد إلى العكاريين بهجتهم الضائعة وسط الفقر الآخذ في التمادي. فقد ادخر الأهالي أموالهم لأيام لا يجرؤ أحد على تقدير ظروفها

من ساحة العبدة، حيث مزّق مجهولون وجه الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز في الصور المرفوعة عند المدخل الجنوبي لآخر الأقضية الشمالية، يبدأ الكلام الذي تتداخل في ثناياه الهموم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فيتذمر أحد باعة الخضر من الظروف السيئة التي أوصل السياسيون البلد إليها، ويشير إلى مجيئه لمتجره يوم العيد بحثاً عن لقمة عيش لا يستطيع تأمينها إذا لزم منزله. وفي الجهة المقابلة من الطريق، كان أحد المزارعين يجلس قرب خسات يحاول بيعها مترحماً على أيام كان خلالها يشتري في العيد أكثر من خروفين يوزع لحمهما على الفقراء، فيما ينتظر اليوم من يتصدق عليه بقليل من اللحم!
وفي الطريق المزينة بلافتات تقول للشيخ سعد: «أنت الدولة والدولة أنت ومن دونك لا وجود للبنان»، ترتفع صور شهداء الجيش في معركة البارد كأنها تقول إن العيد بدونهم ناقص، علماً بأن مظاهر العيد غابت تماماً عن أكثر من أربعين بلدة عكارية ما زالت في حداد على الشبان الذين أصيبوا في البارد. لكن حتى في هذه البلدات، يتعاظم السؤال عن أسباب ارتفاع الأسعار وتلكؤ المسؤولين عن القيام بإجراءات تحدّ من الغلاء الفاجر.
ويتذمر معظم الأهالي من غياب ممثليهم، ولا سيما تيار المستقبل الذي يطالبه الأهالي بنشاطات تنموية تتخطى إنشاء مبنى بلدي هنا ومستوصف هناك.
ويؤكد المواطنون، الذين يتهافتون على رفع صور لقائد الجيش العماد ميشال سليمان، مذيلة بعبارة «لا للفراغ نعم للرئيس»، معاناتهم من فراغ على صعيد المرجعيات مع تراجع حضور سياسيي المنطقة التقليديين وانكفاء نواب المنطقة في فنادق الأكثرية النيابية المحصنة.
ويشير عضو المؤتمر العكاري جوزف عبد الله إلى محاولة المؤتمر عبر اللقاء الذي عقده في 4/11/2007، ملء الفراغ الكبير عبر مواقف سياسية تنطلق من صون قيم الانتماء الوطني العكاري، والانتماء العربي وقيم المقاومة، إضافة إلى خلق انتفاضة كرامة على التبعية والهيمنة، من أية جهة كانتا، ورفض تحويل لبنان إلى محمية يتلاعب بها قناصل الدول. وكان القيمون على المؤتمر قد قسموا عكار خمس مناطق رئيسية وأنشأوا لجاناً للمناطق والقرى. وهم يعدون لمؤتمر عام في مطلع السنة المقبلة.
ويرى عبدالله أن وضع المعارضة السياسي في تحسن مستمر، ومثّل المؤتمر مقدمة لنشاط فعلي حفز معظم قوى المعارضة على لملمة صفوفهم وضبطها. وإذ يشير إلى عدم قدرة «القوة الوطنية» على منافسة قوى الأكثرية بالأموال، يؤكد أن مكتب عصام فارس بدأ يعيد نوعاً من التوازن على صعيد الخدمات، رغم ربح الأخير في مكان وخسارته في مكان آخر. وكان المؤتمر الذي يعوِّض بحركته الأخيرة تراجع حضور السياسيين، معارضين وموالين، قد عقد خلال الشهرين الماضيين أكثر من عشرين لقاءً في مختلف البلدات العكارية لإلقاء الضوء على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
على صعيد آخر، يقول رئيس لمجلس بلدي كان محسوباً على تيار المستقبل إن التيار يعاني أكثر من غيره نتيجة الأزمة الاقتصادية. فقد بلغ ورثة الرئيس الشهيد ذروتهم الشعبية في الانتخابات النيابية الماضية. لكنهم، ومنذ لحظة إقفال الصناديق وعدم الدفع لمعظم سائقي السيارات التي أقلت الناخبين أخذوا يتراجعون. ويؤكد «الريّس» أن التراجع العام لتيار المستقبل وملامح انهيار مشروع 14 آذار وظواهر تفكك هذا الفريق تؤثر هي الأخرى على شعبية المستقبل وتعوق محاولة البعض استنهاض قواه. وفي هذا السياق، يلفت أحد المتابعين إلى استنهاض المستقبل لقواعده عبر قائد الجيش هذه المرة، ومحاولة تصويره مرشحاً لتيار المستقبل في مسعى لكسب ود عائلات العسكريين تعويضاً عن خسائره الشعبية المتتالية. ويقول رئيس آخر لبلدية ساحلية إن تيار المستقبل «يكذب ثم يصدق كذبته»، فالحكومة حرمت البلديات حقها من عائدات الصندوق البلدي المستقل خلافاً للقانون، ثم جاء تيار المستقبل ليوزع مال المساعدات العام بديلاً من أموال البلديات. وذهب مسؤولوه ليقولوا إن كل من قبل المساعدة بات يدين بالولاء لتيار المستقبل.
بالعودة إلى العيد، طغت الهموم على أحاديث العائلات. هنا الصحة هي الهاجس لمواطنين يموتون على باب المستشفى دون أن يجدوا جواباً عن سبب الدفع لموظفين «بلا طعم» في المستشفى الحكومي. وهنا الهاجس تعليمي لمواطنين يستغربون «التنفيعة التربوية» الممثلة بفتح فروع للثانويات تكلف الدولة إيجارات مبان، وحجّاباً ونظاراً ومديرين ومعلمين، دون أن يكون لها أية قيمة. إضافة إلى الهموم التقليدية التي لا يخلو منها منزل كمياه الشفة (ساعتين كل أسبوع) إلى الطرقات المحفرة والكهرباء. هموم تنتهي جميعها إلى الترحم على أيام ماضية ظنوا خلالها، رغم خيراتها، أن المعاناة بلغت أوجها.



رفض البطولة

ينتفض الناشط العكاري في التيار الوطني الحر طوني دانيال على الصورة التي يربطها المسؤولون بالعكاريين من اعتبار المنطقة خزاناً للبطولة ومنبعاً للرجولة. ويقول دانيال إن عكاريين كثراً ما عادوا يريدون أن يكونوا جزءاً من هذه الصورة، ولا يريدون أن يربوا أولادهم ليعودوا إليهم ملفوفين بالعلم اللبناني في حروب يتبين لاحقاً أن هدفها خدمة أغراض سياسية. ويستغرب دانيال عدم إنتاج عكار كادرات سياسية أو زعماء حقيقيين، مستشعراً وجود مصلحة عند جميع السياسيين لإبقاء الحالة على بؤسها، فتبقى المنطقة خزاناً انتخابياً لآل الحريري، وخزان مقاتلين للأحزاب المسيحية. ويحمّل دانيال العكاريين مسؤولية كبيرة عن واقعهم السيئ، «فهم يندفعون في المزايدة في الوطنية، لخوفهم من تشكيك البعض بوطنيتهم، وبعضهم يعتقد أنه مسؤول، نتيجة ضم الأقضية الأربعة عن مشاكل الكيان اللبناني كلها».