149; هجوم أكثري على سوريا والمعارضة تحذّر من الانتخاب بالنصف زائداً واحداً
حفلت عطلة عيد الأضحى بسجال خارجي أشعل مواقف الداخل وشرّع أبواب البلد أمام كل الاحتمالات، كانت باكورتها تأجيل جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية لمدة أسبوع، وبالتالي وضع الاستحقاق على إحدى سكّتي التجميد أو التفجير

ما كاد مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش، ينهي زيارته الثانية إلى لبنان، حتى أطل الرئيس الأميركي جورج بوش محرّضاً الأكثرية على انتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً، ومطلقاً سجالًا وردود فعل حادة بتعويمه طرحاً انقسامياً سرعان ما تلقّفته الموالاة ورفضته المعارضة.

بوش: على العالم احتضان رئيس الأغلبية

ففي مؤتمر صحافي عقده الخميس، وبعدما أبدى تقديره لمحاولات اللبنانيين العمل على التوصل إلى اختيار رئيس جديد، قال بوش: «إذا كانوا لا يستطيعون التوصل إلى اتفاق فعلى العالم أن يقول التالي: تحالف 14 آذار يمكن أن يطرح مرشّحه في برلمانهم ثم على الأغلبية زائداً واحداً تحديد من هو الرئيس، وعندما يحدث ذلك على العالم أن يحتضن الرئيس». وأضاف «من الضروري للغاية أن تنجح الديموقراطية في لبنان».
وهاجم بوش الرئيس السوري بشار الأسد، قائلًا إن صبره معه «نفد منذ وقت طويل. والسبب هو أنه يؤوي حماس ويساعد حزب الله، والانتحاريون يذهبون من بلده إلى العراق، وهو يزعزع الاستقرار في لبنان»، مضيفاً: «عملت مع الفرنسيين لإخراج سوريا من لبنان، وعليها البقاء خارج لبنان» و«أن تدع العملية في لبنان تسير».
ومن نيويورك (نزار عبود) جاءت الترجمة العملية لكلام بوش، حيث أعلن المندوب الأميركي في مجلس الأمن زلماي خليل زاد، أن أعضاء المجلس تشاوروا أمس في شأن الوضع اللبنانين، وأنهم يفكرون في اتخاذ خطوات لاحقة، لم يفصح عنها. لكن مصادر كشفت لـ«الأخبار» عن محاولة أميركية لإصدار بيان أو ربما قرار في المجلس بدعم انتخاب رئيس بأغلبية النصف زائداً واحداً.
واتهم زاد «قسماً ضئيلاً في المعارضة» بأنه «يقبض على الوضع كرهينة»، وسوريا بأنها «لا تساعد»، وقال إن «على المجلس أن يكون مستعداً لاتخاذ خطوات إضافية لجعل المسبّبين للجمود يغيرون موقفهم». لكن المندوب الفرنسي جان لويس ريبير، رأى أن الوضع ليس بهذه الخطورة، نافياً أن يكون اللبنانيون قد فشلوا في التوصل الى توافق، وقال «رئيس مجلس النواب قرر تأجيل الانتخاب أسبوعاً. نريد إجراء انتخابات بأسرع ما يمكن وبدون شروط مسبّقة».
وفي موقف متناغم معه، أعلن المتحدث باسم الرئاسة الفرنسية دافيد مارتينون، أن نيكولا ساركوزي قال خلال لقائه صحافيين عرباً إنه «تكلم مع بشار الأسد هاتفياً وكرّر له أن فرنسا متمسّكة أكثر من أي وقت مضى بانتخاب رئيس لبناني يحظى بتوافق واسع»، وشدّد على وجوب «الالتزام» بموعد جلسة اليوم للانتخاب «وإيجاد حل لهذا المسار الانتخابي». ونفى مارتينون أن يكون ساركوزي قد وجّه أي «إنذار» إلى الأسد بهذا الصدد.

المعلم: أميركا تريد غالباً ومغلوباً

وفي المقابل، اتّهم وزير الخارجية السوري وليد المعلم أميركا بأنها ضد «التوافق بين اللبنانيين وتريد غالباً ومغلوباً في لبنان، وأن تحتكر الأكثرية القرار السياسي»، وأسِف «لأن الفرنسيين لم يظهروا التزاماً بالابتعاد عن الدور الأميركي الذي عطّل بالفعل التوجه السوري ـــــ الفرنسي للحل»، كاشفاً عن اتفاق مع فرنسا على «تحييد الدور الأميركي المعطل للتوافق والوفاق». وأكد استمرار الاتصالات والتنسيق مع فرنسا «وصولاً إلى الفوز معاً» رغم وصفه لتصريحات ساركوزي الأخيرة بأنها مفاجئة.
وتساءل المعلم عن مغزى «مجيء ولش مرتين إلى لبنان وإعلانه وقوف الولايات المتحدة إلى جانب الأكثرية»، واصفاً اتهاماته لسوريا بالعرقلة في لبنان بأنها «فارغة»، وقال: «ولش يعرف تماماً من يعطل الانتخابات في لبنان»، متسائلًا عمّا إذا كانت زيارته لبيروت «لشد أزر الأكثرية أو لنسف المبادرة الفرنسية».
وقال: «على من يعتقد أو يتوهم بأن الدور السوري البنّاء يعني أن نضغط على المعارضة اللبنانية من أجل تلبية موقف الغالبية في لبنان وتسهيل احتكارها السلطة، فهو واهم»، مضيفاً أن بلاده «تريد حلًّا سياسياً يتفق عليه لا يؤدي إلى حل أزمة وخلق أزمة جديدة بل إلى تمهيد الطريق أمام الرئيس المنتخب ليبدأ عهده من دون أزمات». ونفى وجود أزمة في العلاقات السورية ـــــ السعودية «مفتاحها لبنان»، معتبراً «أن حلّ الأزمة في لبنان ركن أساسي في تعزيز التضامن العربي».

تأجيل وتحذيرات من «انتهاك الدستور»

وسرعان ما انعكست كل هذه التصريحات غلياناً داخل لبنان، كانت أولى نتائجه توقعات ـــــ رسائل من قوى فريقي المعارضة والموالاة بعدم انعقاد جلسة اليوم، وهو ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه بري مساء أمس إلى تأجيل موعد الانتخاب إلى ظهر السبت المقبل.
أما في المواقف، فقد تركزت عند المعارضة على مهاجمة السياسة الأميركية، فيما تفرغت الموالاة للهجوم على سوريا. فوصف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم كلام بوش على النصف زائداً واحداً بأنه «أوامر مباشرة لجماعته في لبنان بانتهاك الدستور»، واتهمه بأنه يدقّ إسفيناً جديداً بينهم، رافضاً التوافق، محدداً خريطة الطريق الأميركية، مستخدماً أدواته في لبنان، ليكون الثمن كله من حساب الاستقرار اللبناني ومستقبل أجياله.
واتهم أميركا بأنها تستخدم لبنان «لأمن إسرائيل وكيانها، ولمشروعها بوابةً للشرق الأوسط الجديد»، سائلًا: «هل لا يزال بوش يعتقد بإمكان المراهنة من جديد على تحقيق مكسب لأميركا وإسرائيل في لبنان بعد الفشل المتتالي والمتراكم في أرجاء المنطقة؟ وهل يعتقد أن مغامرته الجديدة يمكن أن تمرّ في مناخ الاستسلام العربي أمام التطبيع مع إسرائيل؟ وهل ستنفذ جماعة 14 شباط الأوامر كما نفذتها في الماضي من دون اعتبار بما جرى حتى الآن؟».
أضاف: «لا يا بوش، أوامرك غير قابلة للتنفيذ في لبنان، ووصايتك مرفوضة. لبنان المقاومة والتحرير والاستقلال والشهادة لا يمكن أن يخضع لمشروعك الإسرائيلي مهما طال الزمن. لبنان ليس مزرعة لأميركا تعبث بها كيفما تشاء (...) لا حل مبعوثوك أهلًا ولا وطئوا سهلًا، وهم ينفثون الحقد ويحرّضون على الفوضى ويمنعون التوافق ويهدّدون ويغرون. فالساحة في لبنان لم تعد تتقبل أمثالهم».
وإثر اجتماع لتكتل التغيير والإصلاح، أبدى النائب ميشال عون استغرابه لـ«مجيء الأميركيين والكلام على الانتخاب بالنصف زائداً واحداً، فحتى لو تم تكذيب التصريح أو توضيحه، فما قيل كان ليعتاد الناس الفكرة». وقال إن المبادرة الفرنسية «انتهت» «كأننا على أبواب مرحلة جديدة من التحول السياسي». واتهم قوى الموالاة بـ«الأداء الآلي» وبأنها «أصبحت مبرمجة مثل إشارات السير»، مشيراً إلى عدم وجود «أي تفاهم، والحوار مقطوع»، وتمنى حصول «تطور إيجابي بعد الأعياد».
ورأى أنه «لا أحد يملك القدرة على التصعيد في لبنان من القوى التي تهدّد به، والتهديد لا يأتي فقط من الرئيس بوش بل من الرئيس ساركوزي والأمم المتحدة. لكن لا أرى أنّ في إمكانهم ضرب الاستقرار أكثر مما ضربوه في السياسة وبعض الحوادث الأمنية».
وقال «من الطبيعي أن يكون الطرح السوري قريباً من طرح المعارضة لأننا أقرب إلى سياسة التفاهم مع الدول الشرق أوسطية من الموالاة التي تعبر الأتلانتيك». وقال إنه تنحّى عن ترشحه للرئاسة لمصلحة قائد الجيش «وعندما لا يعود هو مرشحاً أسترجع حريتي. التنحّي كان مشروطاً وليس لأي أحد».
ونفى ما يقال عن عدم اعتراضه على ترؤس النائب سعد الحريري للحكومة المقبلة، وطالبه «بوعد قطعه هو على نفسه أنه لا يشارك إذا لم أشارك أنا»، مردفاً: «إذا رأى هو أو غيره أنّ الفيتو عليه هو إهانة لطائفته، فمن حقي أن أرى الفيتو عليّ هو إهانة للموارنة».
وحذّرت أحزاب المعارضة وشخصياتها وقواها من «الذهاب إلى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً من خارج الأصول الدستورية»، ومن «خطورة انزلاق البعض في لبنان في متاهات السياسات والإملاءات الأميركية التي لن تساعد على دعم مسيرة الوفاق والتوافق بين اللبنانيين بل ستؤدي بالبلاد إلى نتائج كارثية».

«رياح التعطيل من قصر المهاجرين»

وفي صفوف الموالاة، رأى النائب سعد الحريري أن كلام المعلم «يقدّم دليلًا جديداً على تدخل النظام السوري في الشؤون الداخلية اللبنانية ومشاركته المباشرة في تعطيل الانتخابات الرئاسية». وأضاف أن «النظام السوري لن يرجع إلى لبنان مهما حاول إلى ذلك سبيلًا ومهما استخدم من ضغوط وأدوات».
وأضاف أن الشعب اللبناني «لن يقف مكتوف الأيدي حيال رياح التعطيل والتهديد التي تهبّ عليه من قصر المهاجرين وتريد للبنان أن يعود إلى أزمنة الوصاية والتسلّط، أزمنة صدور فرمانات بعثية بتسمية الرؤساء والتدخل في كل شاردة وواردة في حياتنا الوطنية والسياسية».
ورأى الوزير مروان حمادة، أن المعلم «غرق في مغالطات»، وأن ما قاله عن المحادثات الفرنسية ـــــ السورية غير دقيق. وطالب النائبان أنطوان أندراوس والياس عطا الله، بضغوط دولية «على النظام السوري». فيما أعلن الوزير ميشال فرعون أن النصف زائداً واحداً «خيار لا يزال وارداً، لكن الأكثرية قد وضعته جانباً هذه الفترة لعدم وجود دعم دولي له». وقال النائب عمار حوري إن أُطر الانتخاب «تدرس في شكل منفتح ودقيق جداً، وكلها ضمن الأطر الدستورية».

موقفان دينيان من التعطيل والاستئثار

ولم تسلم المرجعيات الدينية من الانقسام بشأن توصيف الوضع، فالبطريرك الماروني نصر الله صفير، بعدما تخوّف في رسالة الميلاد على مقومات الوطن جرّاء التجاذب والتطاحن والخصام، ولفت إلى أن «رئاسة الجمهورية عندنا مفقودة منذ أكثر من نصف شهر، ولم نوفق حتى الآن إلى انتخاب رئيس لها، وهذه أول مرة في تاريخ الجمهورية يحدث لها ما يحدث»، انتقد «تعطيل» مجلس النواب «منذ ما يقارب السنة»، وانتقد الوزراء المستقيلين بالقول: «حكومتنا تستمر مبتورة وبعض وزرائها معتصمون، وفي وقت (واحد) يمارسون ما تروقهم ممارسته»، مشيراً إلى غياب المجلس الدستوري «وبعض مؤسسات الدولة معطل».
في المقابل، انتقد نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، في صلاة الأضحى، منطق الاستئثار، معتبراً أن «انتخاب رئيس جديد دون التوافق على الحكومة لن يحل المشكلة وسيجعل من الرئيس الجديد شاهداً ومديراً لأزمة سياسية»، وطالب بـ«تحقيق المشاركة الحقيقية وفق التمثيل النسبي».