طارق ترشيشي
استكمل الرئيس الأميركي جورج بوش قبل أيام الإجهاز على المبادرة الفرنسية بذهابه إلى حدود تشجيع فريق الموالاة على انتخاب رئيس جمهورية جديد بنصاب النصف زائداً واحداً، متعهداً بأن يعترف العالم بشرعية هذا الرئيس، لكن باريس ما تزال تتصرف على أساس أن مبادرتها مستمرة بعدما فهمت أن كلام بوش كان موجّهاً إليها أكثر ممّا هو موجّه إلى الداخل اللبناني وتحديداً إلى فريق الموالاة الذي تهيّب الموقف على ما يبدو، بدليل أنه لم يتلقّف هذا «التشجيع» الأميركي الجديد ويستقوِ به كما فعل في مراحل سابقة ليندفع إلى خيارات جديدة في مواجهة المعارضة.
وقد تبيّن أن تهيّب الموالاة هذا سببه أمران:
الأول: التحوّل، أو على الأقل الحذر، في الموقف الذي يتخذه بعض أطراف الموالاة التي تحاول مدّ جسور التواصل مع بعض أركان المعارضة، مناديةً بإلحاح بوجوب إيجاد تسوية للأزمة القائمة بين الموالاة والمعارضة، لأن ما هو متجمّع لديها من معطيات عن الموقف الأميركي وما تنوي الولايات المتحدة اتخاذه من خطوات على الصعيد الإقليمي قد لا يكون في مصلحة «حليفها اللبناني» فريق الموالاة.
الثاني: إن العودة إلى خيار الانتخاب الرئاسي بنصاب النصف زائداً واحداً الذي أعلنت الموالاة تخليها عنه لدى ترشيحها قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية تعني تخلّياً عن ترشيح سليمان وعودة إلى انتخاب مرشح من بين مرشحيها الذين ثبت أنهم أربعة على الأقل، وهم: النائبان بطرس حرب وروبير غانم والنائب السابق نسيب لحود وميشال بشارة الخوري، وهذا التخلّي ليس بالأمر السهل على الموالاة، لأنه سيضعها في موقع الاتهام بأنها إنما رشّحت العماد سليمان على سبيل المناورة، وخصوصاً أن المعارضة كانت ولا تزال تشكّك بهذا الترشيح، على رغم أن سليمان كان مرشحها التوافقي قبل أن ترشحه قوى 14 آذار.
ولذلك تقول أوساط فريق الموالاة حتى الآن إنها لن تعود إلى خيار النصف زائداً واحداً، وإن مرشحها هو العماد سليمان، وإنها ترفض البحث في اتفاقات مسبقة حول الحكومة قبل انتخاب رئيس الجمهورية.
بيد أن المعارضة لا تثق بالموالاة، وتصرّ على الاتفاق المسبق على الحكومة، وتذهب إلى اتهام فريق 14 آذار بأنه يريد الاستئثار بالسلطة برفضه الشراكة مع المعارضة في حكومة وحدة وطنية حيث تجاريه الإدارة الأميركية في هذا الأمر منذ ما قبل استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة، على رغم أنه كان قد أعلن بداية أنه مستعد للقبول بهذه الشراكة بعد إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وبعد إقرار هذه المحكمة بقرار دولي ظل موقف الموالاة ولا يزال رافضاً لهذه الشراكة، وهو السبب الذي كان ولا يزال يؤخّر إنجاز الاستحقاق الرئاسي على رغم التوافق على العماد سليمان مرشحاً توافقياً للرئاسة الأولى.
ويقول أحد أركان المعارضة إن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة إذا أقرّت مشروع التعديل الدستوري المطلوب لانتخاب العماد سليمان فإن ذلك لن يغيّر في موقف المعارضة ولا في أصل المشكلة الكامنة في رفض الموالاة الشراكة في إطار حكومة وحدة وطنية، وإن الطريق إلى الحل يبدأ بالاتفاق على هذه الحكومة، وإذا لم يحصل هذا الاتفاق فإن الأزمة ستدوم طويلاً وربما حتى الانتخابات النيابية المقررة ربيع سنة 2009. ويؤكد هذا الركن المعارض أن ما تطلبه المعارضة وليست في وارد التخلّي عنه هو الآتي: «تأليف حكومة وحدة وطنية ثلاثينية يكون «الثلث الضامن» فيها للمعارضة وفق توزيعة وزارية على أساس 19 وزيراً للموالاة و11 وزيراً للمعارضة أو 14 وزيراً للموالاة و11 وزيراً للمعارضة وخمسة وزراء لرئيس الجمهورية، أو 15 وزيراً للموالاة و11 وزيراً للمعارضة وأربعة وزراء لرئيس الجمهورية (19 + 11 أو 14 + 11 + 5 أو 15 + 11 + 4).
ويقول الركن نفسه إن المعارضة تريد أن يتم هذا الأمر على أساس التزام واضح من الموالاة وتعهّد قاطع من العماد سليمان، وضمان جازم من الجانب الفرنسي. ومن دون الحصول على هذا «الالتزام والتعهّد والضمان» فإن المعارضة لن تتزحزح عن موقفها.
وفي ضوء هذا الموقف، فإن جلسة السبت المقبل سيكون مصيرها التأجيل أيضاً، ما لم يتم الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، وحتى الآن فإن كل المؤشرات تدل على أن إمكان التوافق ما يزال منعدماً رغم المحاولات الفرنسية وغير الفرنسية الدؤوبة لإحداث ثغرة في جدار الأزمة المسدود، والذي يزداد انسداداً نتيجة عدم حصول حوار بين فريق الموالاة ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الذي أوكلت إليه المعارضة أمر التفاوض معها. وقد زاد الطين بلّة التجاهل الأميركي لعون واستثناؤه من برنامج زيارتي مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش الأخيرتين لبيروت في خطوة مقصودة أرادت الإدارة الأميركية من خلالها الإيحاء بأنها تتجاهل مطالب المعارضة اللبنانية وأنها «كانت ولا تزال» تدعم فريق الموالاة في الخيارات التي يتخذها، على رغم إدراكها بأن هذا الفريق لن يستطيع أن يحكم لبنان بمعزل عن الشراكة الوطنية مع المعارضة.