strong>نعمت بدر الدين
انتقدت مصادر مواكبة لحركة الدبلوماسية العربية في لبنان، غياب جامعة الدول العربية عن الساحة اللبنانية. وردّت الأسباب الى الخلافات الكبيرة بين الدول العربية، وخصوصاً بين السعودية وسوريا، التي تنعكس على حركة الجامعة العربية وتشلّ أمينها العام عمرو موسى وتمنعه من بلورة دورها في الفترة المقبلة.
وأضافت المصادر إن شلل الجامعة العربية ظهر واضحاً خلال الفترة الماضية. فزيارة موسى الأخيرة الى لبنان، التي رافقها أمل بقطف ثمار المبادرات العربية والغربية جعلته يغادر دون عودة، وثبت أنّ الأمور كانت معقّدة جداً على عكس ما روّج له موسى عن نضوج الحل، كما تبيّن أنّ دبلوماسية موسى هي دبلوماسية محض شكلية تتحرك للتتويج لا للإنجاز، وأن على موسى إدراك أن الظروف تغيرت، وأن استغلال لحظات الاتفاق النادرة بين الدول العربية وتجييرها لمصلحة الجامعة لم يعد متاحاً.
دوائر سياسية عربية أكدت من جهتها وجود مساعٍ لبعض الدول العربية الصغيرة، وأعطت مثالاً على ذلك تحركات الأردن الذي يضطلع بوساطة للتقريب بين سوريا والسعودية بينما تغيب حركة الدبلوماسية الأردنية عن الساحة اللبنانية على الأقل ظاهراً، «فلم نشهد أي تحرك للسفير الأردني والدبلوماسية الأردنية، في وقت تنشط فيه الدبلوماسيات العربية والغربية. فحركة السفير الأردني نادرة، وقد زار وزارة الخارجية مرة واحدة».
ولفتت الدوائر الى أن الدبلوماسية الأردنية بقيت حتى فترة قريبة على قطيعة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري انطلاقاً من دعمها لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، مبديةً استغرابها لهذا الموقف، وخصوصاً أن ابرز الدول العربية «المعتدلة» والداعمة لحكومة السنيورة لم تقاطع بري وهي على تماس مباشر معه، وأبرزها الدبلوماسيتان السعودية والمصرية.
مصدر دبلوماسي لبناني أوضح أن عمان كانت تتحضر للتحوّل الأميركي منذ مدة، مشيراً الى زيارة الملك الأردني لدمشق على متن طوافة حطت في القصر الرئاسي السوري. ويرى في ذلك مؤشراً الى تغيّر ما قد تشهده الدبلوماسية الأردنية.
وبدورها، علّقت مصادر دبلوماسية عربية على الغياب اللافت للدبلوماسية المصرية، وجامعة الدول العربية التي هي امتداد للدبلوماسية المصرية، بقولها إن لدى مصر اليوم مشكلة قوامها الافتقار الى الوهج، فـ«لا خيل عندها تهديها ولا مال»، وتكتفي باقتناص بعض الفرص لإثبات الوجود وتسويق الأفكار وتلطيف الأجواء الأميركية، مشيرةً الى أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط تحدث في وقت سابق عن أن حل الأزمة السياسية اللبنانية يكمن في «سلة سياسية متكاملة»، وأن مصر تعتقد بأن انتخابات الرئاسة ليست سوى ترحيل للأزمة، وكانت قد بحثت في ترشيح قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً توافقياً مع رئيس المجلس النيابي الذي رحب بالفكرة، بينما رفضت الدول العربية الأخرى ترشيحه آنذاك.
أمّا الدور السعودي «المكشوف»، حسب مصدر دبلوماسي لبناني، فقد وضع الدبلوماسية السعودية التقليدية على المحك لأول مرة. فبدل التوازن والاعتدال المعهودين، ما زالت هذه الدبلوماسية منحازة بقوة الى فريق داخلي وتتعامل مع لبنان كساحة «كباش» مع سوريا، رغم ما تعلنه من مواقف تبدو في ظاهرها إيجابية. ويرى المصدر أن هذه السياسة قد تجعل الرياض غير بعيدة عن تحمل نتائجها، وخصوصاً إذا ما تأخرت في استدراك الموقف.
وتذكّر المصادر بأن السعودية تترأس القمة العربية، لكن دبلوماسيتها لا تقوم بدورها في لمّ الشمل العربي، وأن عليها أن تترفّع وتتحلّى بمزيد من النظرة الشمولية، فهناك أمور أهمّ من مناقشة تفاصيل صغيرة قد تقف عائقاً في وجه مسارات كبرى. فالعالم العربي يواجه مشروعاً كبيراً لتفتيته وتغيير بنيته، وحتى الآن لم نشهد أيّ تحرك سعودي في مستوى ضخامة التحديات. وقد سمح هذا الوضع التراجعي لدولة صغيرة كالأردن بالتحرّك النشيط على خط المصالحة السورية ــــــ السعودية، وخصوصاً بعد ما حلّ الأردن محل سوريا في منظومة الأمن العربية المشتركة التي كانت قائمة على محور مصر ـــــ سوريا ـــــ السعودية.