strong>غسان سعود
• الحالة السياسيّة التي قسّمت معظم مؤسّسات الدولة فعلت فعلها في الكنيسة

يعيد تصعيد المطران بشارة الراعي ضد المعارضة تسليط الضوء على تنافس مطارنة الموارنة، وانقسامهم مجموعات تلتف كل واحدة حول خليفة محتمل للبطريرك الماروني الذي يجهد للحفاظ على التوازنات ضمن مجلس المطارنة، والبقاء على مسافة واحدة من طرفي الصراع السياسي

طرحت مواقف المطران بشارة الراعي المتبنية لخطاب الأكثرية النيابية حول معظم القضايا السياسية، بعد عام على ظهوره الغريب في حملة «أحب الحياة» الموالية، كثيراً من التساؤلات التي شغلت الرأي العام عشية عيد الميلاد. وكان لكلام الراعي وقعه المدوّي عند غالبية المطارنة الموارنة الذين آلوا على أنفسهم، منذ احتدام الصراع بين الموالاة والمعارضة النأي بخطابهم عن التبني العلني لموقف أحد الفريقين. ورغم التزام هؤلاء عدم الرد على راعي أبرشية جبيل المارونية الموجود خارج لبنان، فإن المحيطين بأجواء الصرح البطريركي يؤكدون أن الحالة السياسية التي قسمت معظم مؤسسات الدولة فعلت فعلها في الكنيسة أيضاً، وبات الشرخ بين رجال الدين بعضهم بعضاً كبيراً في حجم الشرخ بين الفئتين السياسيتين.
على صعيد الخلافات بين المطارنة، يقول أحد المتابعين إن هؤلاء منقسمون تحت عنوانين أساسيين: الأول خلافة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير، والآخر الموقف من التطورات السياسية. فعلى صعيد «الخلافة» يتناقل أهل بكركي نكتة مفادها أن الذي سيخلف صفير ما زال شمّاساً (أدنى الرتب الكهنوتية) في إشارة إلى أن الصراع بين الموارنة على الخلافة البطريركية سابق لأوانه. إلا أن المتبسمين للنكتة يعودون ليؤكدوا أنه كما كل ماروني مرشّح مبدئياً لرئاسة الجمهوري، فإن جميع المطارنة دون استثناء يتطلعون بشوق إلى كرسي بكركي المذهبة.
ويشير أحد المتابعين إلى انقسام المطارنة، المنقسمين أصلاً وفق ماضيهم رهباناً وكهنة، ثلاثة معسكرات رئيسية:
واحد يريد للمطران يوسف بشارة خلافة صفير، من منطلق رغبتهم ببطريرك «لا يأتي من الرهبنة، ويكون من الشمال»، محاولين بذلك قطع طريق بكركي على المطران بشارة الراعي الذي «تراجع الدعم الفاتيكاني له بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثاني». فيما ترى «مجموعة الراعي» أن قوة مطران جبيل تنبع أساساً من تراجع حضور المطران يوسف بشارة، الذي تحول طرفاً في الصراع السياسي عبر ترؤسه لقاء قرنة شهوان وتصادمه مع غالبية موارنة زغرتا الزاوية. ولا يرى أنصار الراعي أن إطلالات الأخير الإعلامية المكثفة قد حرقته، وفق التعابير اللبنانيّة، بل قرّّبته أكثر من اللبنانيين، و«عرّفتهم على شخصيته المتفهمة لهمومهم». أما علاقته الجيدة بالسوريين والتي دفعت بغازي كنعان إلى زيارته مراراً، فقد صارت من الماضي. ويضاف إلى فريقي بشارة والراعي مجموعة من المطارنة يرون في مطران بيروت بولس مطر الشخص القادر على ملء الفراغ الذي سيخلفه تخلّي صفير في يوم من الأيام. رغم استصعاب بعض أهل الثياب السوداء لهذا الأمر، نظراً لاتهام شقيق مطر بالتورّط في جريمة اغتيال الرئيس رشيد كرامي.
وإذ تكثر التكهنات، يعود أحد الكهنة المسيحيين ليشرح أن مجلس المطارنة هو اليوم عبارة عن مجموعة توازنات، لعلّ من أبرز وظائفها، عقب انتهاء كل اجتماع للمطارنة، هو تحوّل الأحبار إلى مدقّقين تفصيليين ينهمكون في وضع «الرتوش» على البيان الذي يكتبه صفير. من هنا، يتابع رجل الدين نفسه، سيفاجأ معظم الساعين وراء صولجان بكركي بعدم القدرة على التنبؤ لمن ستذهب العصا الذهبية، وخصوصاً أن انقسام المطارنة حول القضايا السياسية المطروحة يلعب دوراً كبيراً في توزّعهم على المجموعات الثلاث المذكورة. ويذكّر أحد المتابعين بالحضور الكبير والمميز للمطران يوسف مظلوم، والذي لا يفترض إسقاطه من الخريطة السياسية لمجلس المطارنة ولا من الأسماء المرشحة لخلافة صفير.
من جهة أخرى، يكشف أحد المقربين من البطريرك أن صفير الذي يتجنب سماع الأحاديث عن انقسامات المطارنة حول خلافته، يفضل عدم ذهاب المطارنة بتصريحاتهم إلى الحد الذي بلغه الراعي وبشارة من قبله. ويتابع صديق صفير، مؤكداً أن البطريرك يأسف بينه وبين نفسه لعدم قدرة الكنيسة على الشهادة المطلقة للحق كما يُفترض. وهو يهز رأسه بخيبة حين يسمع البعض يتحدث عن حيرة الكنيسة أمام موجبات رسالتها وتخلّفها عن الوقوف بجانب الحق والضعفاء.

طبقية
المطارنة


فيما ينشغل المطارنة بالسياسة، تزداد الهوة بين الكنيسة والشعب. ويسأل مسيحيون عمّا قدمته الكنيسة التي لا تكف عن التصريحات السياسية على الصعد التنموية والإنمائية، مشيرين إلى عدم قدرة المسيحيين على تعليم أبنائهم في الإرساليات التابعة لهم، أو الاستشفاء في المستشفيات التي تحمل أسماء قديسيهم، وتشارك الكنيسة في جني أرباحها. ويجزم البعض أن ثمة «طبقية» فاضحة في تعامل الكنيسة مع أبنائها، وهناك «ابن ست وابن جارية». وهو ما تكرس في أكثر من مناسبة، أبرزها زيارة البطريرك للجبل التي كرست زعامة وليد جنبلاط، رغم احتفاظه بأجراس كنائس المسيحيين في قصره، فيما رفض صفير المرور بأكثر من ثمانين بلدة مارونية في ساحل جزين وإقليم الخروب، قدمت أعز شبابها «للحفاظ على الوجود المسيحي».