البقاع ــ رامح حمية
تشهد قرى بعلبك ـــــ الهرمل الباردة هذه الأيام حركة إقبال مطّردة و«حذرة» على شراء مادة الفحم الحجري واستخدامها بديلاً لمازوت التدفئة المهرّب والمدعوم من جهة، والحطب الذي بات من الصعب تأمينه خلال هذه الفترة من جهة ثانية، واللافت أن الناس تفاوتت آراؤهم بين من يبرر استعمال الفحم الحجري «بميكافيلية» واضحة وبذريعة ارتفاع أسعار المحروقات، وبين من يرفضه بشكل قاطع بالنظر إلى المخاطر الكبيرة الناجمة عن احتراقه في المنازل.
و«لمدينة الشمس» الدور الريادي في تعريف قرى وبلدات المنطقة على «صوبيا» الفحم الحجري، لكونها تعدّ المركز التجاري الذي يعتمد عليه، ولشروع عدد من تجّارها على استقدام هذه المادة والاتجار بها، مستغلّين إقبال الناس على كل ما هو أقل كلفة ويؤمن التدفئة، وإن كان مضراً بصحة الإنسان والبيئة.
ويشرح «أبو علي اللقيس» أحد تجار الفحم الحجري في بعلبك لـ«الأخبار»: إن التدفئة بالفحم الحجري تلقى رواجاً بطيئاً، ويظهر ذلك من خلال مراقبة اتساع الرقعة الجغرافية للزبائن، وإن عدد القرى ازداد بوقت قياسي جداً (أقل من شهر) ليشمل الكرك ـــــ النبي شيت ـــــ الخضر ـــــ رياق ـــــ بعلبك وضواحيها ـــــ دورس ـــــ حورتعلا ـــــ كفردان.
وكشف اللقيس أن التدفئة بالفحم الحجري جاءت «نتيجة الصدفة البحتة»، فقد شاهدها عند أحد الأصدقاء في سوريا وأحضر معه واحدة مع كامل مستلزماتها إلى محله التجاري وللاستعمال الشخصي فقط. وتابع قائلاً: تعرّف الزبائن عليها من خلال الحرارة والدفء الذي تؤمنه وبشكلها الشبيه بالصوبيا العادية ولكن من دون «طاسة للمازوت». وأضاف: إن الطلب تزايد عليها، ما دفعه إلى استقدامها والاتجار بها. وأكد اللقيس أنه باع في أقل من شهر حوالى 80 صوبيا ومن كل المقاسات، وحوالى 13 طناً من الفحم الحجري. ( سعر الطن 500 ألف ليرة لبنانية).
تاجر آخر من بعلبك، وبمحاولة دعائية للترويج للفحم الحجري، أوضح: أن التركمان في بلدة الطيبة يستخدمونه منذ خمسة عشر عاماً «ولم يسبب لهم أي أذى! وأن «تركيا من الدول التي تستخدمه أيضاً، إلا أنه عاد ليضيف قائلاً: «نحن نشرح للزبائن كيفية الاستعمال ونلفت انتباههم إلى إبقاء إحدى النوافذ مفتوحة لتأمين الأوكسيجين!
وفي جولة على عدد من المنازل في بعض قرى بعلبك الهرمل، بدا واضحاً أن هناك تفاوتاً كبيراً في الآراء بين من يستخدمه ويصرّ على ذلك وبين من رفضه أو تخلى عنه، فيشير عدنان عبيد متقاعد في الجيش اللبناني إلى أنه اشترى صوبيا الفحم من بعلبك منذ شهر تقريباً، ولم يلاحظ أي ضرر منها ولا حتى رائحة سواء داخل الغرفة أو للجيران». ولفت عبيد إلى أن «الغاية تبرر الوسيلة»، ففي ظل الأزمة الاقتصادية المتردّية وغياب القدرة الشرائية لتخزين المازوت كان لا بد من الاعتماد على ما هو أقل كلفة للتدفئة.
بدوره «أبو سهيل» اعترف بأن الفحم الحجري مضرّ بصحة الإنسان والبيئة، لكن ما جبرني على المرّ، إلا الأمرّ منه». وقال: «بدّي دفّي عائلتي شو بروح بسرق حتى اشتري مازوت». وأضاف: «عندما لا تسأل الدولة عن مواطنيها، فماذا تنتظر منهم؟ لقد استدنت حتى أمّنت الصوبيا مع نصف طن من الفحم الحجري، وسنحاول أن تكفينا هذه الكمية لآخر الشتوية».
عطا الله حمية زار «استطلاعياً» أحد المنازل التي تستخدم الفحم الحجري للتدفئة، وعاد بانطباع رافض لفكرة استعمال مثل هذه المواد: «لا يمكن أن اشتري المرض لأبنائي ولعائلتي، فالفحم الحجري ينتج غازات سامة تضر بالإنسان».
المخترع أحمد أبي رعد شرح لـ«الأخبار» مخاطر استخدام الفحم الحجري للتدفئة فقال: «هناك خطر فعلي على الإنسان والحيوان والبيئة بالنظر إلى انتاج ثاني أوكسيد الكربون بكميات كبيرة جداً تصل إلى حد 90%، إلا أن الأخطر برأيه هو غاز ثاني أوكسيد الكبريت الذي يلوث الجو والبيئة والمياه ويؤثر تأثيراً فعالاً على طبقة الأوزون»، وتابع أبي رعد قائلاً: «هناك أيضاً 10% من المواد المتطايرة وهي عبارة عن سموم تتأثر في الجو، ولها تأثيرها الكبير على صحة الإنسان».
واللافت في الفحم الحجري أنه يفتقر إلى الأوكسجين والهيدروجين. ولذلك، فهو عند اشتعاله يسحب الأوكسجين من الغرفة ويعطي ثاني أوكسيد الكربون بوفرة، ما يؤثر على صحة الإنسان».
وتبيّن الدراسات العلمية أن التعرض إلى مستويات عالية من مادة ثاني أوكسيد الكربون تؤدي إلى أمراض الربو والجهاز التنفسي وربما إلى مشاكل أكبر، وخصوصاً عند النساء الحوامل حيث ترتفع نسبة مخاطر ولادة أطفال مصابين بخلل في القلب.