نقولا ناصيف
يضاعف مشروع القانون الدستوري بتعديل المادة 49 لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، بعدما أقرّته البارحة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، المشكلة الدستورية والسياسية الناشبة بين الموالاة والمعارضة أكثر مما يقدّم حلاً لها. كذلك مآل العريضة التي تعتزم الغالبية النيابية التقدّم بها إلى الرئيس نبيه بري لاحقاً في ضوء مصير مشروع التعديل الحكومي، لإقرارها في الهيئة العامة ومن ثم إحالتها على الحكومة بغية وضع مشروع قانون دستوري بها. في الحالين هاتين سيتخذ بري موقفاً سلبياً يجعلهما غير ذوي جدوى، وذلك لأسباب شتى، منها:
1 ـــــ رغم الصلاحية الدستورية الكاملة التي تمكّن مجلس الوزراء من وضع مشروع تعديل دستوري للمادة 49، تكمن المشكلة الفعلية في مكان آخر هو الخلاف السياسي الذي يطبق بفكّيه على أي آلية دستورية محتملة لإنقاذ انتخابات رئاسة الجمهورية. بل لا إمكان لأي آلية دستورية لا يسبقها التفاهم السياسي بين قوى 14 آذار والمعارضة على المرحلة التالية لانتخاب الرئيس الجديد، الأمر الذي ينبئ سلفاً بعدم تسلّم بري ـــــ وهذا ما كان قد أعلنه مراراً ـــــ المشروع الحكومي، إذ يعتبره غير دستوري لانبثاقه من سلطة غير دستورية، علماً بأن حكومة السنيورة، بوضعها مشروع التعديل الدستوري وإرساله إلى مجلس النواب، ستختبر للمرة الأولى صلاحية دستورية انتقلت إليها مذ تعذّر انتخاب خلف للرئيس السابق إميل لحود، وهي إحالة مشاريع القوانين التي تعدّها إلى مجلس النواب. صلاحية حصرية برئيس الجمهورية كهذه تحولت في السنة الأخيرة من عهد لحود، بفعل رفضه استخدامها للأسباب نفسها التي يقول بها بري، عقبة رئيسية في علاقة بين الحكومة ومجلس النواب. وما بدا قبل أشهر، قبل إقرار المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في مجلس الأمن، مخالفة دستورية رغبت الحكومة في الإقدام عليها هي توليها بنفسها، وتجاوزاً لصلاحية رئيس الجمهورية، إحالة مشروع المحكمة الدولية على البرلمان، بات الآن في صلب صلاحياتها الدستورية إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية. إلا أن بري رفض حينذاك تسلّم مشروع المحكمة بحجتين متلازمتين، أولاهما أن إحالة مشروع حكومي على البرلمان هي اختصاص رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 53، وثانيتهما أن الحكومة غير دستورية وغير ميثاقية.
2 ـــــ لن يكون مصير عريضة الأكثرية النيابية أفضل حالاً لأنها ستصطدم بالجدار نفسه، وهو أولوية الحل السياسي. ومع أن قوى 14 آذار تتوخى من وضع العريضة الدوافع نفسها لوضع حكومة السنيورة مشروع التعديل، وهي إحراج رئيس المجلس لحمله على طرح العريضة على الهيئة العامة كي يصار إلى التصويت عليها، وإرسالها من ثم إلى الحكومة، إلا أن رد فعل بري والمعارضة سيكون نفسه المتبع حيال الجلسات المتتالية لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، أي عدم اكتمال النصاب القانوني للجلسة.
وإذ تتسلّح الموالاة بما تراه التباساً وغموضاً يشوبان نصاب انعقاد المجلس لانتخاب الرئيس الجديد، فإن المادة 77 التي تلحظ آلية إقرار عريضة نيابية لتعديل الدستور تشترط ثلثي النواب نصاباً لانعقاد البرلمان وللتصويت على العريضة قبل إحالتها على الحكومة. يشير ذلك حكماً إلى بقاء عريضة الموالاة في أدراج رئيس المجلس من غير أن يحتاج بالضرورة إلى ذريعة تبرّر عدم إحالة اقتراح التعديل الدستوري إلى الحكومة، نظراً لعدم اكتمال نصاب الثلثين، وعدم إبصار الاقتراح النور أساساً داخل المجلس.
3 ــــ يتركز الجدل الدستوري حيال انتخاب الرئيس الجديد على الانقسام الحاد الناشب بين موالاة تريد انتخابه تحت مظلة المادة 73، ومعارضة تريد الانتخاب تحت مظلة المادة 74. وإذ ترى قوى 14 آذار أنه لا انتخاب لا يمر بحكومة السنيورة لكونها الجهة الدستورية الوحيدة المعنية بصوغ مشروع تعديل المادة 49 سواء انبثق التعديل منها أو من عريضة نيابية، تذهب المعارضة إلى الاعتقاد بأن في الإمكان انتخاب قائد الجيش دونما حاجة إلى تعديل دستوري مسبق، وتفادياً للخوض في دستورية حكومة السنيورة أو عدم دستوريتها. ومع أن كلاً من الفريقين عاجز عن فرض تطبيق المادة التي يتمسّك بها على الآخر، يجعل تفاهمهما على السلة السياسية كلاً من هاتين المادتين آلية منطقية وصالحة لترجمة هذا التفاهم والخروج من مأزق شغور رئاسة الجمهورية إلى أولى خطوات التسوية الداخلية.
ففي صلب هذا التفاهم الذي لا يقتصر على سلة المرحلة المقبلة، إيجاد المخرج المناسب واللائق للموقف من حكومة السنيورة سواء بالنسبة إلى المعارضة، إذ تتشكك في شرعيتها، أو بالنسبة إلى الموالاة التي ترفض تقويض إنجازات السنة الأخيرة من محنتها بعد استقالة الوزراء الخمسة وتعريض قراراتها للطعن.
4 ــــ لا تعدو مبادرة الحكومة بوضع مشروع التعديل الدستوري، ومن ثم وضع الغالبية عريضة بتعديل مماثل، إلا توجيه انتباه الخارج إلى واقع أن إمساك قوى 14 آذار بالسلطة وقرار الحكم لا يجعلها قادرة بالفعل على تحقيق خياراتها الداخلية وفرضها، وإن توسّلت الإجراءات الدستورية لها، بل وإن امتلكت نصابي ثلثي السلطة التنفيذية والأكثرية المطلقة في البرلمان. ورغم انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة إلى حكومة الغالبية التي تتصرّف على أساس أنها حكومة قوى 14 آذار، وباتت هذه تقبض على كل مفاصل السلطة السياسية تقريباً، إلا أنها تواجه بعقبات من داخل النظام نفسه التي تمثلها صلاحية بري في عدم فتح أبواب المجلس أمام الحكومة الحالية، ونصاب الثلثين الذي بات بدوره مفتاح المشكلة والحل في آن واحد.
وكما برّرت حكومة السنيورة استمرار شرعيتها بالقول إن ستة من وزرائها المستقيلين لم يستقيلوا بل هم غائبون عن جلساتها منذ أكثر من 13 شهراً، يبرّر رئيس المجلس إقفال أبواب البرلمان في وجهها لأنه يعتبرها غير دستورية. بذلك لا تستطيع الحكم ـــــ وإن في ظل انتقال صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة إليها ـــــ إلا في الحدود الدنيا لممارستها صلاحياتها، وصلاحيات رئيس الجمهورية كذلك، التي لا تتعدى إصدار مراسيم وقرارات لا تتطلب قرع أبواب مجلس النواب، وهو في الوقت نفسه أقصى ما يمكن أن تقدم عليه.
وفي واقع الأمر، في ظل وجود لحود في رئاسة الجمهورية، استخدمت الحكومة صلاحياته، أو في أبسط الأحوال قيّدت بعضها عندما أصدرت قرارات ومراسيم أدرجتها تحت أحكام المادة 56، أو حتى عندما أقرت مشاريع بالغة الأهمية كالمحكمة الدولية تقع تحت أحكام المادة 52.