أنطون حرب
يحلّ عيد الميلاد على اللبنانيين هذا العام وسط فراغ رئاسي هو الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية. فلا الرئيس بشارة الخوري استقال تاركاً وراءه الفراغ، ولا الرئيس شمعون ترك الرئاسة للفراغ. ولم تنتهِ ولاية سليمان فرنجية بعد أحداث 1975 و1976 إلا بعد انتخاب الياس سركيس قبل ستة أشهر. وولاية أمين الجميل لم تنتهِ الا بعدما ملأت الحكومة العسكرية برئاسة العماد ميشال عون الموقع الرئاسي، رغم تنازعها الحكم مع حكومة الرئيس سليم الحص حينذآك.
وبعد انتهاء ولاية اميل لحود، شغر موقع الرئاسة للمرة الاولى من دون وجود حكومة قادرة على اناطة الصلاحيات الرئاسية بها.
ولا يخفى أنّ القوى المسيحية في السلطة والمعارضة هي المعنية أكثر من سواها بهذا الفراغ، إذ ترى في موقع الرئاسة رمزاً للشراكة بينها وبين سائر الطوائف.
أوساط المعارضة المسيحيّة ترى الفراغ الحالي سابقة خطيرة، لكن لا يمكن معالجتها الا بتصحيح مبدأ الشراكة الوطنية المتكافئة في الحكم وفق الدستور، وإلا فليكن الفراغ حافزاً لعودة كل الأقطاب إلى الروحية الميثاقية للدولة من أجل الانطلاق بعهد جديد للبنان يقوم على أساس الاستقرار الضامن لوقف الهجرة والنزف الاقتصادي والتهميش الطائفي، وإلا طال الفراغ وطال معه انتظار الحل العادل وطارت الجمهورية اللبنانية كلها.
وفي المقلب الآخر، ترى القوى المسيحية في السلطة أن ملء الفراغ الرئاسي ضرورة حتمية لعودة الشراكة المسيحية الفاعلة إلى الدولة، بعدما همّشت الزعامات المسيحية الأساسية طيلة زمن الوصاية. وترى هذه القوى أنّها في موقع حرج تجاه ناخبيها، وخصوصاً أنّ هؤلاء سيحاسبونهم في الانتخابات المقبلة التي لن تجرى وفق القانون الانتخابي الحالي. لكنّها ترى أنّ الاستحقاق الرئاسي لا ينبغي أن يكون مادة صراع وسجال سياسيين مع مسيحيي المعارضة، لأنّ هذا الشأن هو شأن وطني سترتدّ سلبياته على اللبنانيين كلهم، وإن كانت مسؤوليته تقع على كاهل كل السياسيين المسيحيين دون استثناء.
أما المرجعيات المسيحية الدينية، وفي مقدمها بكركي، فترى نفسها الخاسر الأول من الفراغ الرئاسي، ذلك أنها أدركت «استحالة اتفاق الطبقة السياسية المسيحية على رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس لحود. ولذلك عمدت إلى تزكية قائد الجيش العماد ميشال سليمان للرئاسة الاولى في حل وسطي يرضي الجميع، لكن تعذر الاتفاق على حل الخلافات السياسية بين السلطة والمعارضة بما يتجاوز ثوابت بكركي، اعاد الأمور الى نقطة الصفر، مما يرجّح اطالة امد الفراغ ويضعف تأثير البطريركية المارونية في الخلاف الدائر من دون وجود بديل مرجعي وطني مسيحي آخر قادر على أداء هذا الدور».
ومثلما تعوّد المسيحيّون أن تواكب أعيادهم الميلادية جولات القصف والعنف من الهدايا الجنبلاطية أساساً في زمن الحرب، وحملات الاعتقال والاضطهاد السلطوي في زمن الوصاية، يأتي زمن الاستقلال ليضعهم في الموقع الذي لم يقاربوا خطورته في كلتا المرحلتين السابقتين، وهو الفراغ الذي يمهّد لضياع الجمهورية.
وإذا كان المسيحيون، والموارنة منهم خصوصاً، هم من أسهم بشكل أساسي في تأسيس الكيان اللبناني الذي لم يعودوا اليوم على رأسه، فإنّ عودة لبنان إلى صيغة 1943 لاستتباب الاستقرار بين الطوائف لن تتحقق الا بعودة المسيحيين إلى الموقع الأول في الكيان. ويبقى الثابت، كما يقول أحد الاساقفة الموارنة، أن لا عودة الى الوراء، «وهذا ما يجب على الجميع أن يدركوه».