strong>وفاء عواد
•التأجيل في ذاكرة النوّاب: حزّورة وفولكلور وكؤوس سكارى و«طبّاخون» مذنبون
بين 25 أيلول الفائت و22 من الجاري امتداد ليس يلغى، أصبح معه التأجيل التاسع لجلسة انتخاب الرئيس العتيد أشبه بإعادة قراءة نصّ ما أو مشاهدة فصول مسرحية ما، وبقيت معه الأزمة تراوح مكانها برسم الانتظار المجهول

ثلاثة أشهر مضت وممثلو الشعب يراوحون في اللعبة ذاتها. وكل يوم تسيل أعمدة الصحف وأفواه الإذاعات وشاشات التلفزة بما «لعلّه» قد كان، أو «ربما» قد يكون، فيما خطورة التأجيل المتتابع تخطّت حجم الحروف التي كتبت والكلمات التي قيلت. ولا شيء حتى الآن تغيّر سوى أن الاستقالة من المسؤوليات تتراكم كل يوم. فما معنى السؤال عن مفاوضات تدور؟ وما معنى أن يصير التأجيل إعلاناً للذاكرات المتتابعة؟
فبعيداً عن لغة أرقام التأجيل التي أصبحت في ذاكرة بعض النوّاب بمثابة «حزّورة»، إلى حدّ دفع بعضهم إلى توجيه النصيحة القاضية بضرورة الاستفسار من الأمين العام لمجلس النوّاب عن عدد مرّات التأجيل أو الاستنجاد بالأرشيف، مروراً بوضعها في خانة «الفولكلور»، وصولاً إلى مقاربتها من زاوية «كؤوس» لا تستأهل عدّها من قبل من يريد الوصول إلى حالة السُكْر، أو مساواتها بعدد «الطبّاخين اللي نزعوا الطبخة». كيف يستشرف نوّاب الأمة مصير جلسة السبت المقبل؟
النائب عبد الله حنّا يسلّم بأن «ما باليد حيلة»، و«إذا لم تعقد الجلسة، فمعنى هذا أن المعطيات لم تستوِ بعد»، تاركاً أمر المفاجآت إلى «ضوء ما» يفضّل حتى عدم تحديد لونه. فيما النائب مصباح الأحدب متحسّراً على «ناس تعبت، ومؤسّسات اهتزّت»، غامزاً من قناة المجلس الذي «يجب أن يكون سيّد نفسه»، ليقول: «الانقسام الحاصل ليس عمودياً، بل أفقياً».
أما عن مصير جلسة السبت، فيستنجد الأحدب برواية شعبية يقصّ تفاصيلها، ليصل إلى استنتاج مفاده استحالة انعقاد هذه الجلسة تماماً كاستحالة «أن يعقد الحليب الخنفشار»، و(الخنفشار كلمة لا وجود لها في قاموس لغتنا).
وإذ ينأى النائب فيصل الصايغ بنفسه عن الدخول في «السجال»، حرصاً منه على «عدم تكرار العبارات نفسها»، كحال النائب فؤاد السعد الذي يكتفي باستشراف مصير جلسة السبت، من باريس حيث هو، بعبارة واحدة: «المكتوب يُقرأ من عنوانه»، والنائب فريد حبيب الذي ينصح بتوجيه الأسئلة إلى الرئيس نبيه برّي، ويستفيض النائب جواد بولس في شرح بعض المصطلحات الدستورية، فـ«المجلس ملتئم حكماً، وباستطاعة ثلثي أعضائه أن يجتمعوا من أجل الانتخاب، من دون دعوة الرئيس»، أما انتهاء العقد العادي فـ«لا يحول دون انعقاد المجلس، لكنه يحول دون تعديل الدستور». ومبدياً أسفه لكون لبنان بات أشبه بـ«لا معلّق ولا مطلّق»، يعزو بولس تأجيل جلسات الانتخاب، ومن ضمنها الجلسة المقبلة، إلى «أسباب سوريّة».
وكما هو حال زملائه، يفاجأ النائب هادي حبيش بأن يطرح عليه سؤال عن عدد مرّات التأجيل، ويكتفي بالردّ مازحاً: «ما بعرف.. يمكن هيدا التأجيل العاشر»، فما يعنيه هو أنه «إذا بقيت عقدة الثلث المعطّل، فلن نصل إلى نتيجة»، حتى لو جرت معالجة هذا الموضوع فـ«سيضعون شرطاً آخر».
واستناداً إلى المبدأ الذي يحتّم الإسراع في ملء سدّة الرئاسة، يدعو حبيش المعارضة إلى «التنازل عن الثلث المعطّل، كما تنازلنا عن الإتيان برئيس من فريقنا»، لافتاً إلى ما يستلزمه النزول إلى ساحة النجمة من «مخاطرة بعض النوّاب، وتضييع للوقت»، عدا عن «معاناة الشعب جرّاء عجقة السير»، ليوافق النائب حسين الحاج حسن في رأيه الداعي إلى مقاطعة جلسة السبت.
وإذا كانت دعوة حبيش مرتبطة بـ«انتظار تخلّي المعارضة عن المطالبة بالشروط المسبقة»، فإن لدعوة النائب الحاج حسن أسبابها المغايرة: «المعارضة لن تذهب إلى جلسة الاقتراع يوم السبت، ولن تشارك إلا في إطار اتفاق سياسي واضح ومتكامل في سلّة كاملة وبضمانات واضحة».
من جهته، ينفي النائب أيّوب حميّد وجود «أي معطى إيجابي» يبشّر بإمكان أن يكون 29 الجاري موعداً لنهاية الأزمة، ويعرب عن أمله في «أن ترضى الموالاة بصيغة السلّة المتكاملة، لتكون ممرّاً لخلاص لبنان»، محمّلاً الأميركيين مسؤولية «منع الموالين من القبول بالشراكة وملء الفراغ في سدّة الرئاسة»، ومطمئناً إلى «استمرار الحراك الهادف إلى تأمين التوافق»، و«دائماً، نأمل خيراً».
«إذا كنا نريد حلاً، لا يجب أن نعدّ الجلسات». بهذه الكلمات يبدأ الطبيب كميل خوري معاينته لواقع التأجيل المتواصل لجلسات انتخاب الرئيس، معرباً عن تفاؤله لكون «المعارضة يداً واحدة، وستبقى في ممانعة دائمة». أما هم، فقد «رفضوا كل ما يؤدّي إلى حلّ توافقي»، وذلك بانتظار «أن تصلهم إيحاءات الخارج».
وإذ يرى النائب مروان فارس أن «لا رئيس في الأفق»، لأن «القصّة خرجت من أيدي اللبنانيين، وأصبحت رهن الصراع الأميركي ـــــ الفرنسي»، إذ إن «الوساطات الفرنسية فشلت، والأميركيون استردّوا الملف، وهم لا يريدون مشاركة المعارضة في الحكم»، لا يتوقّع النائب إسماعيل سكريّة لجلسة السبت سوى التأجيل، فـ«المواقف ما زالت متباعدة سياسياً»، عازياً الأمر إلى 4 عوامل: «تحريض بوش، كمن أطلق طلقات التراجع من المعركة/ عدم قدرة الفرنسيين على قول لاءاتهم في وجه أميركا/ الخلاف السعودي ـــــ السوري/ والغياب شبه الكلّي للثقة بين المعارضة والموالاة».
وحده النائب قاسم هاشم يعوّل على الاتصالات «المستمرة» لتؤدي جلسة 29 إلى انتخاب رئيس شرط «أن يكون لدى الموالاة النيّة في العودة إلى التوافق»، مكتفياً بطرح سؤال: «ألم تكن نهاية عهد الرئيس إميل لحّود إفراغاً متعمّداً لموقع الرئاسة من مضمونها وصلاحياتها؟». وبانتظار الآتي، يبقى السؤال معلّقاً: هل بات ممكناً اعتبار 29 الجاري موعداً لإنهاء عهد الفراغ الرئاسي الذي بدأ في 24 تشرين الثاني، أم أن «دورة» العقبات ستعود إلى إطاحة هذا الموعد وإلحاقه بسلسلة الإخفاقات السابقة؟.



بانوراما التأجيل

بانتظار «وحي ما» ينقذ الرئاسة «المعلّقة» وكرسيّها من فراغ تربّع عليه منذ شهر، لا بدّ من إعادة التذكير بماضي التأجيل، طرحاً لأرقامه وتذكيراً بأسبابه.
فاتحة جلسات الانتخاب كانت محدّدة في 25 أيلول، أُجّلت لـ«عدم اكتمال النصاب»، ومدّد تأجيلها الترقّب 28 يوماً، لتكرّ بعدها سبّحة التأجيل: 3 مرّات لـ«مزيد من التشاور، توصّلاً إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية يكون رمزاً لوحدة الوطن ومنعته»، و5 مرّات من دون ذكر الأسباب الموجبة للتأجيل.
ولمزيد من التوثيق، فإن شهر تشرين الأول لم يشهد سوى تأجيل «يتيم»، في 23 منه. أما شهرا تشرين الثاني وكانون الأول الجاري فقد تقاسما مرّات التأجيل الـ8 التي شهداها، بانتظار إضافة التأجيل العاشر في سجل شهر ختام عام 2007.