strong> عبد عساكر
استوقف أحد الأساتذة سحر ضاهر وصديقاتها بينما كن يمشين في ملعب كلية التربية في الجامعة اللبنانية، ونصحهن بتغيير انتمائهن السياسي، وإلاّ أصبحن «مجانين». لكن الخوف من «الجنون» أو من الأستاذ لم يمنع سحر من مواصلة «نضالها»، فتابعت الدراسة والنشاط السياسي واصطدمت مرات عدة بـ«الأستاذ»، حتى جاء يوم امتحانات نصف السنة.
دخل الأستاذ إلى القاعة التي تجري فيها الامتحانات. دعا الطلاب إلى مغادرة مقاعدهم والوقوف على باب القاعة، ثم وضع كرسي سحر في الوسط ووضع حولها دائرة مغلقة، وعاد وطلب من الممتَحنين أن يعودوا كلّ إلى كرسيه، ووقف «فوق راسها» مراقباً خاصاً لها. رقرقرت دمعة في عين سحر، وعلى رغم أنها كانت قد استعدّت جيداً لامتحان المادة، لم تستطع أن تتحمل الضغط فقدمت «ورقة بيضاء» وخرجت من الصف. تذكرت حينها كم كانت تكره «المعلمة»، وهي صغيرة، فالمعلمة هي أول انسان «سلطوي» اصطدمت به. تذكر كيف كانت تعود إلى المنزل، تضع لعبها حولها لتؤدي دور المعلمة، فتبدأ بالصراخ عليهم وضربهم وتحويل حياتهم إلى جحيم، وخلال لعبها لم تعتقد سحر ولو لمرة واحدة بأنها ستكبر لتصبح معلمة، لكن حبها للأطفال جعلها تدخل إلى كلية التربية، فهي تريد أن تمضي أكبر وقت ممكن معهم.
والآن هل يخسّرها حبها لانتمائها السياسي حبها للأطفال؟، هل عليها أن تتنازل عن انتمائها كي تنجح؟طبعاً لا، تقول سحر التي قدمت شكوى إلى إدارة الجامعة التي أجرت تحقيقاً واتخذت الإجراءات اللازمة بحق الأستاذ.
ترى سارة أنّ الاجتهاد في الجامعات اللبنانية لا يكفي لتتفادى الرسوب «فانتماؤك السياسي يجب أن يكون موافقاً مع الانتماء السياسي لأستاذك كي تنجح». فسحر هي ابنة وحيدة لعائلة متوسطة الدخل، أعطاها أهلها كل ما يملكون من حب ورعاية واهتمام و... انتماء سياسي. انتقل هذا الحب مع سحر إلى الجامعة التي تسري فيها السياسة كالنار في الهشيم، وما إن دخلت إلى هناك حتى جهرت بحبها هذا أمام الجميع وشاركت بكل النشاطات التي قام بها حزبها، وهو ما جعل انتماءها السياسي واضحاً للجميع كعين الشمس.
تشرح سارة موقفها من الحادثة بالقول: «كأن المشاكل الناتجة من اختصاصي لا تكفيني، فأنا أدرس «البيداغوجي» ـــــ أي التربية ـــــ وبالتحديد تعليم اللغة العربية للصفوف الأولى، لكن بما أن المنهج لا يحتوي على مواد كافية لها علاقة باختصاصي، عليّ دراسة المواد الأخرى مثل التاريخ والجغرافيا والعلوم والرياضيات كأنني عدت إلى المدرسة من جديد، وبما أن هذه المواد كلها مواد اضافية، فلا كتب معتمدة لها، لذا «منقضّيها طول السنة عم نصور كورات، اللهم إلا إذا كان احد الأساتذة قد نشر كتاباً عن المادة ويريد بيعه فيقول لنا إننا لن نفهم المادة إذا لم نشتر الكتاب، فنضطر إلى شرائه لنكتشف أن المنفعة الوحيدة من هذا الكتاب هي المال الذي تقاضاه الأستاذ، زد على ذلك، وللأسباب نفسها، يحتاج الأساتذة إلى تقسيم العلامة، لذا يطلبون منا القيام بـ«بروجيات»، ضمن مواد ومواصفات محددة وغالية الثمن طبعاً».
نجحت سحر في امتحانات الدورة الثانية التي قدمتها هي ورفاقها من الانتماء السياسي نفسه فقط (تقولها وهي تضحك) وتتابع دراستها وحراكها السياسي في الجامعة لتتخرج وتصبح شخصاً كرهته وهي صغيرة، معلمة لن تعاقب تلامذتها على انتمائهم السياسي، ربما لأنهم أصغر من أن يكون لهم انتماء.