غسان سعود
من الشمال إلى الجنوب، اكتفت البلدات المسيحية من العيد باحتفالات الحدّ الأدنى في ظل الوضع السياسي والاقتصادي القائم

كأن أجراس العيد حملت كلمة السر، فاستدرك الناس الأمر في اللحظة الأخيرة، ولم يتركوا العيد يمرّ بهم مرور الكرام. الشوارع والمحال التجارية امتلأت بالباحثين عن حد أدنى من الثياب والهدايا التي تلعب الدور الأساسي في رسم الابتسامة على شفاه الأطفال الذين يشكلون محور احتفالات عيد الميلاد. وأكد التجار في معظم المدن ذات الكثافة السكانية المسيحية أن الحركة فاجأتهم أمس وتخطت توقعاتهم، خصوصاً لجهة الاقبال الكثيف على محلات الألعاب وثياب الأطفال. ولعبت بعض المجالس البلدية دوراً كبيراً في تحفيز الأهالي على تخطي قنوطهم وقلقهم من الحالة السياسية.

عيد سعيد...

في بلدة حدشيت البشراوية، لا ينتظر الناس قداس منتصف الليل ليفدوا إلى الكنيسة، فيقضي معظمهم طيلة اليوم السابق للعيد في كنيسة البلدة المارونية، ولا يقوى البابا نويل بدوره على انتظار المساء، فينطلق منذ الظهر في جولات مكوكية على منازل البلدة موزعاً الهدايا على الأطفال. ورغم اختناق الناس بهمومهم، بحسب رئيس بلدية حدشيت نبيل الدريبي، فقد زُينت البلدة في محاولة من المجلس البلدي لتغيير الأجواء الحزينة. واذ يؤكد الدريبي أن شعور الناس بالعيد تراجع بسبب تراجع أحوالهم الاقتصاديّة، يلفت من جهة أخرى إلى استعادة العيد لكثير من خصوصيته ورمزيته التي تراجعت في السنوات الماضية لمصلحة المظاهر الخارجية. وقد تحول العيد في أكثر من بلدة مسيحية إلى مناسبة للصلاة والتأمل في معاني ولادة المسيح، واستعاد كثيرون قصصاً وأجواء احتفالية هادئة بالميلاد كادت تنقرض أمام المظاهر الاحتفالية الحديثة. علماً أن بعض العائلات اختارت الانزواء وعدم المشاركة في احتفالات العيد لعدم القدرة على شراء ملابس جديدة. ووزعت بعض الجمعيات مساعدات كثيرة للتخفيف من شعور بعض العائلات بالدونية عشية العيد.
وشهدت زغرتا أجواء احتفالية كبيرة، ميزها زيارة كثير من المهاجرين لعائلاتهم مستفيدين من الاستقرار الذي تتمتع به هذه المنطقة. ويؤكد رئيس بلدية زغرتا العميد يوسف معراوي أن كثيرين من الساكنين في بيروت قصدوا المنطقة لتمضية فترة العيد.
وفي بحمدون، أضيئت البلدة بشكل هو، ربما، الأجمل في لبنان، فيما وزّع المجلس البلدي بطاقات معايدة وقوالب الحلوى على جميع منازل البلدة. اضافة إلى تنظيم المجلس نشاطات مسرحية عدة. وكانت الزحمة قد تمددت أمس من ساحل المتن باتجاه كسروان، وشهدت جونية يوماً طويلاً من الحركة التجارية الاستثنائية التي زادت من رهجة النشاطات التي نظمتها أحزاب المدينة ومجلسها البلدي الذي زين الشوارع الداخلية بطريقة مميزة، ونظم حفلة للأطفال في مسرح اللاسيتيه، اضافة إلى دعوة أكثر من 80 مسناً إلى الغذاء واقامة معرض فني لعشرين رساماً.
أما الجنوب المحتفل هذا العام بعيد الميلاد مع جنود القوات الدوليّة فكانت حال بلداته المسيحية (باستثناء رميش وجوارها) أفضل من الأعوام السابقة، فأضاءت جزين المتلألئة بأضواء العيد سماء الجنوب، وأعدت موسيقى جزين وكشاف الجراح مسيرتين موسيقيتين احتفالاً بالعيد. ولم تحل الضائقة المالية، بحسب رئيس بلدية جزين سعيد بو عقل، من اتمام الناس استعداداتهم متجاوبين مع البلدية التي زينت البلدة بشكل مميز، وأمنت الهدايا لمعظم الأطفال إضافة إلى تنظيمها المسيرات وقداديس الميلاد.

... وحزين

من جهة أخرى، قال كثيرون إن الوضع السياسي وانعكاساته على الحالة الاقتصادية حال دون شعورهم عملياً بالعيد. واذ تحججت بعض البلدات العكارية بانحسار مظاهر البهجة نتيجة الحداد على العسكريين الذين استشهدوا في معارك نهر البارد. رأى كثيرون إن الهدية والثياب الجديدة هي جزء من العيد، ولا يستطيع أحد الادعاء أنها مظاهر وقشور يمكن تجاوزها، خصوصاً حين يرى الطفل الذي لم يستطع الحصول على الهدية التي يرغب بها أن بين زملائه من حصل على عشرات منها. وأكد بعض الأطفال في هذه البلدات إنهم يستصعبون فهم لماذا يكون العيد جميلاً في بيروت وحزيناً عندهم. كلام يسمع في أكثر من منطقة، ويزاد عليه في بعض البلدات أسف على مصائب تكشفها الأعياد، ابرزها ربما غصة المسنين من ليالي العيد الطويلة التي يقضونها وحيدين بعدما هجرهم أبناؤهم بحثاً عن فرصة عمل. علماً أن هموم السياسة لم تفارق أهل العيد، خصوصاً أن السياسيين لم يريحوا هؤلاء ولو ليوم واحد قبل العيد، فشغلت جلسة مجلس الوزراء والردود على مقرراتها معظم المواطنين وأفقدت ليلة العيد السلام المنشود.