strong> راجانا حميّة
لا شيء يمنع من أن يُتقن الأطفال السياسة، فقد باتوا جزءاً من لعبة وضعتهم فيها الأسرة... والسياسيّون أنفسهم الذين يسعون، في كلّ لحظة، إلى تنظيمهم في أحد الصفوف، وكأنّ الوقوف خارج دائرة الانتماء لا وجود له في هذا البلد، في لبنان، بات على الجميع أن يتسيّسوا، بإرادتهم أو من دونها، ومن دون استثناء، أطفالاً ومراهقين وشباباً وعجائز، لا لشيء، إلّا لأنّ الوطنيّة تقتضي انتماءً أيّاً يكن مصدره. فالسياسيّون الذين لم يريحوا شاشات التلفزة والصحف والبرامج ولن يريحوها، يدخلون اليوم قصص الأطفال، بالقوّة التي فرضوا أنفسهم فيها على كلّ شي. واللافت أنّ دخولهم هذا المجال لم يأتِ ردّ فعلٍ على ما يحصل بقدر ما هو سعي من بعض الكتّاب، «مع سابق الإصرار والتصميم»، إلى زجّهم. وقد يكون خوف هذا البعض من تأثيرات السياسة السلبيّة على الأطفال، دفعهم إلى إعطاء «الزعماء» أدوار البطولة في قصصهم، مصحوبة برسائل توعويّة بلغةٍ مبسّطة أقرب إلى واقع القرّاء الصغار.
وفي هذا الإطار، بدأت كاتبة الأطفال رانيا زغير أولى تجاربها مع السياسة، في دارها الجديدة «الخيّاط الصغير»، بكتابين صغيرين «لمّا بلّطت البحر» و«حديد صابون بونبون». حاولت رانيا في كتابيْها أن تُعلّم الأطفال ما يجري في لبنان من الناحية السياسيّة بطريقةٍ تربوية أقرب إليهم، مع مراعاة أن تترك قصصها تساؤلات مبهمة تدفع الطفل إلى إجبار الأهل على الإجابة عنها.
تبدو رانيا مسكونة بهاجس حماية الطفل من الأقوال المغلوطة وفهم لبنان أكثر والتعرّف إلى مشاكله والتطرّق إليها من مناظيرهم، وتعوّل على أهمّية التجربة في تعزيز تمسّك الأطفال بلبنان بطريقة صحيحة، وهي تدرك مسبّقاً هاجسها الخفي في أن تكون الأولى في «مسيرة قد تبدأ»، والتجرؤ على تضمين القصص وكذلك الكتب المدرسيّة وصفاً للحالة اللبنانيّة بطريقة علميّة مدروسة.
هكذا غرقت رانيا في تفاعلها إلى النهاية، فكانت فكرة «لمّا بلّطت البحر» سياسيّة بامتياز، تستعين في غالبيّة مقاطعها بسياسيّ لبنانيّ «أثبت جدارته في التنصّل من مسؤولياته بموسوعة أنيس فريحة!»، فكان يواجه غالبيّة الأسئلة والاستجوابات بمَثلٍ ــــــ قد يكون من الأفضل له البحث عن مثل آخر لكثرة ما استهلكه ــــــ «كلّ إناءٍ ينضح بما فيه»...لكلّ شيء.
في «بلّطت البحر»، شدّدت رانيا على الأمثال الشعبيّة في الحوار الذي يدور بين الأم وطفلها، كما تعمّدت تضمين الحوار كلمات صعبة كالتوطين والتطبيع ومشكلة الشرق الأوسط، بسبب أنّها أرادت أن تترك للطفل «مفاتيح» تدفعه إلى السؤال عن إجاباتها، سواء أكان من الأم أو المدرّسة أو أيّ شخص آخر، وكذلك في غلاف الكتاب وصوره التي رسمتها جويس عكّاوي، حيث جمعت فيها أشياء كثيرة لا ترابط بينها، في إشارة إلى الضياع الذي يتحكّم في لبنان وأبنائه.
في القصّة، يتحدّث الطفل عن تجربته مع والدته التي تواجه رغباته وهواجسه ومشاكله بمثل شعبي «لمّا كنّا نشاهد نشرة الأخبار قالت ماما: إنّهم يريدون حلّاً! أي حلّ؟ لو بدها تشتّي كعك كانت غيّمت عجين». ويبقى الطفل في ضياعه إلى أن يتقمّص شخصيّة والدته، فيجيب تساؤلاته بمثل «كما تفعل الماما»... «ماما ما المشكلة إذا كان هذا سويعاتي أو مثل الأطرش بسبع رواح، لماذا كل ما أقول لك تينة بتقولي جميزة». إلى أن تصل في نهاية المطاف إلى خلاصة تشبه لبنان وعلاقة السياسيين بمناصريهم، ففي النهاية «فرخ البطّ عوّام». يذكر أن كتاب «لمّا بلّطت البحر» ليس حكراً على الأطفال، فرانيا ارتأت أنّه لا يمكن حصرها بأطفال السبع سنوات، بل يمكن أن تصل إلى 107!
أمّا في كتابها الآخر «حديد صابون بونبون»، فكانت رانيا أقرب إلى التأثيرات السلبية التي تتركها الصراعات السياسيّة على المدينة والأطفال، فاختارت قصّة تتكلّم أكثر بلغة قرّائها. تتحدّث فيها عن «مدينة من حديد»، خالية من الحب والإحساس. اللافت أنّ رانيا تركت القصة مفتوحة على احتمالات كثيرة، فهي توحي بكلّ شيء، السياسة، أو الأمومة أو الحب.
في «حديد صابون بونبون»، حرصت رانيا على الشخصيّات التي يألفها الطفل مثل آنسة فرحة وآنسة حب، مشدّدة، رغم احتمالاتها المتشعّبة، على أهمّية الحب في أيّ علاقة وفي أي موقع، والذي «نصل به إلى الأمان رغماً عن كلّ شيء».