strong> ليال حداد
انتهى زمن الاستخفاف بعقول الأطفال اللبنانيين، على الأقل في الكتب المخصّصة لهم. لم تعد «بياض الثلج» و«الأميرة النائمة» بطلتَي قصصهم «المستوردة» من الخارج، بل أسامة وغيره من الشخصيات التي «صنعت في لبنان» ومثّلت محور القصص العربية المنتشرة في أجنحة دور النشر في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب.
يؤكّد المسؤولون عن دور النشر أنّ أدب الأطفال اتّخذ منحى جديداً منذ بضع سنوات، فازداد الاهتمام بالطفل بصفته قارئاً، له اهتماماته واستقلاليته. تشرح المسؤولة عن جناح دار أصالة، زينب طيّ أهمية انجذاب الطفل إلى ألوان الكتاب وغلافه وصوره، وتشدّد أكثر من مرة على عبارة: «في هذا الزمن أصبح للصورة أهمية الكلمة، فالكتاب المحشو بالكلام دون الصور لا يجذب الولد ولا يعنيه». وتنفيذاً لسياسة دار أصالة في تشجيع الأولاد على المطالعة، يستقبل الجناح تلامذة المدارس، وتتلو طيّ عليهم القصص.
في الجناح، يقف تلامذة إحدى المدارس، أمام رفوف الكتب المخصّصة لأعمارهم. تمسك إحدى التلميذات كتاباً لتتصفّحه، تنهرها معلّمتها: «حطّي الكتاب من إيدك»، تعيده الفتاة بخوف إلى مكانه، وتقول لرفيقتها: «كيف سأعرف إن كانت القصّة جميلة أو لا إن لم أستطع تصفّح الكتاب». تؤكّد طيّ أن هذه الظاهرة خاطئة، فالولد لن يحبّ الكتاب إلا إذا نمت علاقة بين الاثنين. فعندما يتصفّح الولد الكتاب سيحبّه وسيتشجّع لقراءته. وتضيف: «كثرة النظام لا تعطي الطفل حرية التحرّك والفضول والاكتشاف، وهذا أمر سيِّئ».
«أجمل شي بالمعرض كتبنا، خصوصي إنها بالعربي»، تتلعثم الطفلة زهراء إبراهيم (6 سنوات)، وهي تتحدّث عن بهجتها لكثرة الكتب المخصّصة للأطفال، «ماما قالت فيي اختار الكتب يلّي بدي ياها»، فالمهمّ بالنسبة إلى أم زهراء أن تتعوّد ابنتها على القراءة باللغة العربية، «لا أريد تكرار الخطأ الذي ارتكبته مع ابني، فقد عوّدته على أن يقرأ بالفرنسية فأصبح عمره الآن ثلاثة عشر عاماً ولا يقرأ
بالعربية».
«اختر زاوية في بيتك واجعلها زاويتك... والزاوية ستصبح حديقة». اختارت دار الحدائق هذا الشعار «لترغيب» الأولاد في شراء الكتب والقراءة. ويبدو أنّ الشعار نجح في هدفه، فيصرّ الطفل غسان دبوس على شراء قصص «مرجان ومرجانة» الست، ويقول: «أنا أيضاً أريد أن أصنع حديقتي في المنزل». يحاول والده أن يفهمه أن الكتب لن تتحوّل إلى أشجار، وأن الحديقة المقصودة هي حديقة من كتب، يستجيب غسان لفكرة والده ويسأله مستفسراً: «جنينة كتب كمان حلوة ما هيك؟».
وفي منتصف قاعة المعرض ترتفع لافتة زرقاء كُتب عليها «دار الآداب للصغار». الدار التي مثّلت سلسلة كتبها للأطفال «حكايات ولد من بيروت» العام الماضي «ظاهرة في المعرض»، استطاعت هذا العام أيضاًَ أن تجذب إليها الأطفال. فالقصص لا تستخفّ بعقول الأولاد، كما أنها ذات مغزى، فيستفيد الطفل من قراءتها. تقول الطفلة يارا خوري: «أسامة (بطل سلسلة القصص) أصبح صديقي، يضحكني عندما يكون فرحاً ويحزنني عندما يكون تعيساً».
لكن القدرة على شراء الكتب ليست متشابهة لدى كل زوار المعرض من «القرّاء الصغار». فتُجمع دور النشر على أنّ الوضع الاقتصادي يؤثّر في الأطفال. فهناك أطفال يشترون كتاباً واحداً بألف ليرة لبنانية، فيما هناك أولاد يشترون عشرة أو عشرين كتاباً دون أن يسأل أهلهم عن السعر. انطلاقاً من هذا الواقع، قدّمت دور النشر الخاصة بكتب الأطفال عروضات عدة. فمنها من قدّم هدايا عند شراء الكتب، ومنها من خفّض أسعاره لتشجيع زوار المعرض على شراء كتب لأولادهم. إلى الأوضاع الاقتصادية، مثّل توقيت المعرض مشكلة بالنسبة إلى دور النشر. فالأعياد «سرقت» من المعرض زوّاره. تقول المسؤولة عن جناح دار المفيد ماري تيريز معتوق: «ببساطة، ليس هناك حركة ولا بيع، فالناس تصرف معظم الراتب هذا الشهر على التسوّق للأعياد، لذا فالقدرة الشرائية غائبة».