داني الأمين
فجأة وجدت قرية صفد البطيخ نفسها تتحوّل إلى مدينة صغيرة تعجّ بالمحال التجارية والأبنية السكنية

لا يسع زائر بلدة صفد البطيخ (قضاء بنت جبيل) إلا أن يشعر بالتغييرات التي تطرأ عليها بين زيارة وأخرى بفعل عمليات البناء المتسارعة التي تجري فيها.
هذه البلدة الصغيرة، المختلطة بين المسيحيين والمسلمين الشيعة، باتت تضم أكثر من 16 مبنىً سكنياً وتجارياً شيّدت في قت قياسي نسبياً. فبعد انتهاء حرب تموز برزت الحاجة إلى شقق سكنية لدى الكثير من الأهالي الذين فقدوا بيوتهم ومعها القدرة المادية على إعادة بناء غيرها. هذا ما يفسّر الإقبال الواسع على شراء تلك الشقق التي امتلأت سريعاً بالسكان والتجار بحيث لم يبق فيها إلا عدد محدود من الشقق الفارغة. واللافت أن المقيمين في هذه البلدة ليسوا من أبنائها بل من أبناء القرى المجاورة... وقد دفع هذا الأمر التجّار من مناطق قريبة وبعيدة إلى اللحاق بالناس وافتتاح محالّ تجارية للاستفادة من الموقع التجاري المميّز
للقرية.
رشيد زين الدين (الجميجمة) هو صاحب أوّل مبنى سكني على الشارع العام... وهو الآن يملك أكثر من ستة مبانٍ سكنية نجح في بيع أغلب شققها السكنية ومحالّها التجارية. واللافت أنه رغم كثرة الأراضي الصالحة للبناء في المنطقة، فإن العديد من الأهالي يفضلون شراء الشقق السكنية على الأراضي توفيراً لكلفة البناء.
الفكرة تجارية بامتياز، يقول أحد تجار صفد من بلدة مجدل سلم طلال ياسين: «بعد حرب تموز بات الأهالي بحاجة ماسة إلى المنازل السكنية لأن معظم المنازل التي تهدّمت لم يستطع أصحابها إعادة بنائها حتى اليوم. فالتعويضات لم تدفع كاملة حتى الآن، وبعضهم لم يحصل على أي تعويض، وهو ما اضطرهم إلى شراء أو استئجار شقق سكنية».
ويقدّم التجار الكثير من التسهيلات في عملية البيع، وقد يصل القسط الشهري لثمن الشقة الواحدة الى مئتي دولار.
هذا الوضع لا يلغي وجود الكثير من المشاكل اليومية وأبرزها الصرف الصحي وعدم توافر مياه الشرب والتنظيف... لكلّ هذه الأسباب يؤكد ياسين، أن «هذه المباني السكنية استطاعت أن تحلّ أزمة السكن مؤقتاً، لكن المقيمين فيها سيعودون حتماً إلى بلداتهم القريبة»، لافتاً إلى أن عدداً منهم «حاول إعادة بيع شقته السكنية من جديد، ولو بسعر أقل من السعر الذي اشتراها به، بغية استكمال بناء منزله في بلدته».
هذا ما يؤكده الأهالي أنفسهم. أسمهان زين الدين من بلدة الجميجمة، متزوجة وأم لأربعة أولاد. تهدّم منزلها، ولم يعوّض عليها حتى الآن، باستثناء بدل الايواء الذي دفعه «حزب الله». فضلت شراء شقة سكنية في صفد البطيخ ريثما تستطيع إعادة بناء منزلها، «اضطررت إلى ذلك، لا بيوت للإيجار في البلدة». وتروي معاناتها قبل استقرارها حالياً: «أقمت قبل ذلك في غرفة صغيرة ضيّقة مع زوجي وأولادي، لكنّ المبلغ الذي دفعه لنا «حزب الله» أسهم في دفع القسط الأول للشقة المشتراة».
وصل ثمن شقة أسمهان على «العظم» إلى عشرين ألف دولار، أما الكلفة كاملة فهي 35 ألف دولار أميركي. تقول «10 آلاف دولار لا تبني منزلاً ولا تكفي لأساسات البناء، وهو ما سيجعلنا ننتظر سنوات قبل إنجاز بناء منزلنا، لذلك قررنا شراء شقة بالتقسيط، هذا أستر لنا»... ثم تختم: «لكننا طبعاً لا نريد البقاء هنا طويلاً وسنعود إلى الضيعة بعد أن يدفعوا لنا التعويضات وبناء المنزل».
أما ناهدة عوالة (تولين) فتبرّر إقامتها في صفد البطيخ بالقول: «استأجرت هنا لأن منزلنا تهدّم والتعويضات لم تصلنا حتى الآن»، لكنها تشير إلى بعض المصاعب التي تواجهها «الحياة صعبة جداً وغريبة علينا... المياه لا تصل إلا في أوقات قليلة، والجراذين تتجول في كل مكان، ورائحة المجاري الصحية كريهة جداً، نريد من يعيدنا إلى منزلنا الكبير وسط الضيعة، وقرب أرضنا التي كنا نزرعها كل شيء».
لا تشجّع ناهدة أحداً على السكن في الشقق السكنية، «الضيعة هي للبيوت المحاطة بالأشجار والأراضي الزراعية». لكنها لا تنكر فوائد السكن في صفد البطيخ «فالمكان قريب من الضيعة، وملاصق للمحال التجارية المتعددة...».