إبراهيم الأمين
تتابع المصادر الدبلوماسية العربية الوضع اللبناني بكثير من القلق. وفيها من يريد الخير للبنان فعلاً، لكنه بات يخشى أن يكون المأزق القائم من النوع الذي يصعب علاجه في ظل الاستنساخ الدائم لصيغ الحكم وفق تركيبة تظهر التجارب أنها غير قابلة للعيش طويلاً، وسط تعقيدات كبيرة في المنطقة من شأنها دفع لبنان إلى مواجهة قد تؤدي إلى الأصعب والأعقد.
وتلفت المصادر ذاتها إلى أن خيار العماد ميشال سليمان كمرشح تسوية جرى العمل عليه قبل شهور، ولعبت مصر دوراً أساسياً في هذا الإطار، ووضعت الخيار في إطار التفاهم المنطقي الذي يفتح لبنان على مرحلة من الهدوء ومن دون مبالغة في توقعات الافضل، ولكن على قاعدة «ترحيل المشكلة إلى الانتخابات النيابية المقبلة». وتلفت المصادر إلى أن الامور قابلة للأخذ والرد ولكنها تحتاج من الطرفين إلى تنازلات كبيرة.
وتفسر المصادر «التفهم القائم» لموقف فريق 14 آذار بالقول إن المشكلة «قامت أساساً حول المعارضة التي تبدو اليوم أقل تماسكاً من فريق الأكثرية» وترى أن المشكلة في موقف المعارضة تعود إلى أن الرئيس نبيه بري سبق أن أطلق مبادرة في بعلبك تبيّن أنها غير مدرجة في حسابات المعارضة عندما ظهرت ملامح اتفاق على رئيس للجمهورية. ثم إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله قال بداية إن شخص الرئيس مهم وإذا توافرت عناصر الثقة فيه يمكن البحث في الأمور الاخرى، ولكنه عاد ووضع سلة مطالب يجب تحقيقها قبل انتخاب الرئيس، علماً بأنه تم اختيار العماد سليمان الذي صنّف منذ البداية أقرب إلى المعارضة منه إلى الموالاة. كما أن العماد ميشال عون يعتقد أن منصب الرئاسة من حقّه هو، وبالتالي فهو يريد تعويضاً كبيراً مقابل تخلّيه عن ترشّحه.
إلا أن المصادر لا تملك معطيات كافية عن حدود الانفجار أو الاستعداد الفعلي عند القوى المحلية للتورط في حرب أهلية جديدة، ومع ذلك فهي تبدي قلقها من أن يتمدّد الفراغ فترة طويلة وأن لا تترك الأمور تمر بهدوء بل تُفتعل تفجيرات سياسية وأمنية من النوع الذي يقود إلى فتنة خطيرة في البلاد. وتعتقد هذه المصادر أن مستوى الاحتقان في لبنان الآن يأخذ بعداً مقلقاً عندما يقترب الكلام من الفتنة السنّية ـــــ الشيعية. وبحسب المصادر فإن مشكلة درزية ـــــ درزية أو مسيحية ـــــ مسيحية أو أرمنية ـــــ أرمنية سوف تتحول خلال ساعات قليلة إلى فتنة سنّية ـــــ شيعية، والأخيرة هي التي سوف تدمّر لبنان.
ما هو المطلوب من المعارضة؟
بحسب المصادر الدبلوماسية العربية، يكمن الحل أولاً في العودة إلى المبادرات والمواقف التي أطلقها قادة المعارضة، بما يتيح المجال أمام انتخاب سليمان أولاً، ومن ثم يصار معه ومع الآخرين إلى وضع جدول أعمال لمناقشة المسائل الاخرى التي تتيح تأليف حكومة متوازنة. وهي ترى أنه ليس في مقدور المعارضة فرض قواعد مسبّقة من شأنها إضعاف سليمان قبل وصوله أو فرض مجموعة التزامات عليه. وتعتقد المصادر أن الأخير لم يكن قد التزم مع أي مرجعيات محلية أو خارجية بأي برنامج عمل. ولكنه تحدث بشكل طبيعي عن حاجته إلى فريق عمل يعاونه في الحكومة. وترى المصادر أن علاقة سليمان بالمعارضة أكثر من جيدة، وأن هذه تستطيع منحه فرصة كبيرة وأن تقبل بتسوية تأتي لها بعشرة وزراء مع حادي عشر يسمّيه الرئيس المقبل ويكون موثوقاً من المعارضة، مقابل تخلّي الموالاة عن حصة الثلثين لمصلحة الرئيس نفسه.
ولكنْ لماذا ترفض الأكثرية منح المعارضة الثلث المعطل؟
في اعتقاد المصادر الدبلوماسية العربية أن حصول المعارضة على الثلث المعطل يعني في نظر الأكثرية هزيمة كاملة ومتعدّدة الوجوه:
1ـــــ أن فريق 14 آذار يكون قد خسر ما رفض التنازل عنه طيلة الفترة السابقة. وتكون المعارضة قد حققت هدفاً كبيراً يتيح لها الإمساك بالقرارات الحكومية.
2ـــــ أن فريق 14 آذار يكون قد اضطر إلى عقد صفقة خاسرة، لأنه يرى أن العماد سليمان حصة المعارضة، وأن من يملك الاكثرية النيابية قد حرم حقه في اختيار رئيس للجمهورية يكون منه أو موالياً له على الاقل. كما أن المعارضة عندما تطلب الثلث المعطل تريد عملياً أن يأخذ رئيس الجمهورية حصته من حصة فريق 14 آذار.
3ـــــ أن الموافقة على شروط المعارضة تعني خسارة إضافية لقانون الانتخاب الذي يفترض أن يكون على أساس القضاء، وهو ما سيؤدّي إلى حرمان قوى ممثلة اليوم في فريق الأكثرية مقاعدها في الانتخابات المقبلة.
4ـــــ أن منح المعارضة الثلث المعطل يعني أن المعارضة سوف تكون قادرة على منع تعيين أي موظف أو اتخاذ أي قرار لا توافق عليه، ما يعني أن فريق 14 آذار سيكون كأنه لا يملك الغالبية النيابية. وهو أمر لا يمكن الأكثرية أن تقبله، وسيفرض تفاوضاً مفتوحاً على كل خطوة، بما يعني أن الحكومة المقبلة قد لا تكون قادرة على العمل.
وإذا كانت المصادر الدبلوماسية العربية ترى أن الافق ليس مفتوحاً لتسوية سريعة، فهي ترى أن الحل موجود الآن على الطاولة وأن آلية تحقيقه تتطلب تنازلات متبادلة، وترى أن التنازل الآن لا بد من أن يكون من جانب المعارضة. لكنها لا تعتقد أن الأمر سوف يكتمل لأنها تنظر بقلق إلى المواقف الصادرة عن الولايات المتحدة، وتلفت إلى أن أقطاباً في فريق 14 آذار فوجئوا بالموقف الأخير للرئيس الاميركي جورج بوش، ووجدوه متأخراً كثيراً عن وقته، كما وجدوا فيه مبالغة لناحية القدرة على العمل وفقه، كما تنقل المصادر ذاتها عن دبلوماسيين أميركيين عدم فهمهم الكامل لخلفية هذا الموقف، لكنها تعتقد أن التحريض السياسي قائم من جانب كل الأطراف المعنية بالوضع اللبناني. وتجد في الآتي من الايام فرصة أخيرة لكنها تعتقد (إلى حدود الجزم) أن فريق 14 آذار لن يقبل بمنح المعارضة الثلث المعطل، لتخلص إلى طرح السؤال ذاته: هل لدى المعارضة خطة قابلة للنجاح في مواجهة هذا الموقف؟