أنطوان سعد
لم يعد في لبنان من يتوقع أجلاً تقريبياً لإنجاز الاستحقاق الرئاسي. أكثر المراقبين تفاؤلاً يرى أن الحل يمكن أن يأتي فجائياً، كما تعرقل فجأة إبّان جلسة الثلاثاء الأخيرة. فيما يذهب المتشائمون إلى حد التعبير عن خشيتهم ألّا تجري الانتخابات الرئاسية لا في آذار المقبل ولا بعد الانتخابات النيابية المقررة في ربيع 2009. ويحصي المراقبون كمية كبيرة من المعطيات السلبية التي أضيفت إلى الواقع اللبناني المتأزّم الذي يحول في الأساس دون إجراء انتخابات رئاسية طبيعية في المهلة الدستورية العادية. وأبرز هذه المعطيات السلبية:
1 ــ سلسلة الأخطاء الطويلة نسبياً التي وقع فيها قائد الجيش العماد ميشال سليمان في غضون أيام قليلة، والتي جعلت المعارضة ترى أن وصوله لا يكفل لها تحقيق مطالبها ولا يطمئن هواجسها، لذلك رأت أن عليها التمسّك بإعطائها ضمانات بتنفيذ شروطها:
ــ الزيارات التي قام بها على الفعاليات السياسية والروحية غداة إعلان التوافق عليه مرشح إجماع بين الموالاة والمعارضة. إذ أثارت مخاوف المعارضة من أمرين: الأول أن يكون قائد الجيش قد عقد بالفعل «صفقة ما»، كما اتهمته سراً بعض الأوساط المعارضة، مع الأكثرية التي كانت تعارض انتخابه بشدة قبل أسابيع قليلة، والثاني أنه ليس الرجل الذي يسهل التعامل معه باعتبار أنه مستعد لاتخاذ خطوات غير متوقعة منه. وفي هذا الإطار، ترى أكثر من شخصية محايدة أنه لم يكن من لزوم لهذه الزيارات ما دام أن الجميع قد وافقوا عليه وأعلنوا تأييدهم له وهو صامت في وزارة الدفاع.
ـــ فحوى محادثاته مع قيادات المعارضة، وبخاصة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، زادت من قلق قوى المعارضة وكوادرها. ويجري التداول في بعض أوساط المعارضة بأن الأخير عبّر أمام العماد سليمان، في آخر زيارة له إلى عين التينة، عن استيائه من موقفه عندما حاول أن يستوضحه رأيه بشأن بعض المسائل التي يمكن أن تثار غداة انتخابه.
ـــ تصرفاته يوم دفن اللواء الركن الشهيد فرانسوا الحاج، مكان جلوسه، ووصوله متأخراً إلى الجنازة بدل أن يكون فقط إلى جانب العائلة في استقبال الجثمان والمعزّين.
ـــ تأخّره في التصدّي لحملة انتشار صوره في بيروت والمناطق اللبنانية حاملة عبارات مثل المنقذ وما شابه، مما أيقظ المخاوف من أن يقترن عهده بانبعاث ناحية سلبية من تجربة عهود رؤساء الجمهورية الآتين من قيادة الجيش، والتي كانت تسِمهم بمثل هذه الصفات وتزدري الطبقة السياسية وتنعتهم بأقذعها.
2 ــ تراجع الاهتمام الدولي بالانتخابات الرئاسية في لبنان وحلول المواقف المتشنّجة من الرئيس الأميركي جورج بوش ونائب الرئيس السوري فاروق الشرع مكان الحضور القوي للدبلوماسية الأوروبية، وبخاصة الفرنسية، وجولاتها ووساطاتها بين القيادات
اللبنانية.
3 ــ قرار المعارضة، وسوريا من خلفها، بانتزاع إقرار بالفشل والخسارة من قوى الرابع عشر من آذار، وتصرّفها كأن أخصامها قد هزموا شرّ هزيمة، مقابل إصرار أميركي على وحدة قوى الأكثرية وتحرك قاده مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط دايفيد ولش لتحصين هذه الوحدة وتعزيزها.
4 ــ عودة الخلاف السياسي بين الموالاة والمعارضة إلى نقطة البدء: تأليف حكومة وفاق وطني بثلث معطّل للمعارضة أو من دونه وارتباطها بانطلاق عمل المحكمة ذات الطابع الدولي. وفي هذا المجال، يضع بعض الأوساط المراقبة موقف رفض إعطاء المعارضة الثلث المعطل أيضاً في خانة عدم قبول قيادات السنّة في لبنان فكرة التخلي عن حصرية تحديد عمر الحكومة ما دام أن رئيس مجلس النواب الشيعي يستخدم البرلمان ويتفرّد في تعطيله
وتحريكه.
5 ــ إصرار من سوريا على توفير الثلث المعطّل لحلفائها في الحكومة العتيدة رغبة في تحسين المواقع داخل التركيبة اللبنانية، تحسّباً لاتجاهات المحكمة ذات الطابع الدولي، التي بدأت تتحضّر لانطلاق أعمالها. ولا بد من الإشارة في هذا الإطار إلى حصول تبدّل مهم في موقف رئيس كتلة نواب المستقبل، النائب سعد الدين الحريري، الذي أصبح، بحسب مصادر بارزة في تيار المستقبل، يرى أن «تحقيق إنجازات متعلّقة بتكريس استقلال لبنان وسيادته ورسم الحدود وتبادل السفارات مع سوريا أهم من مجرد الاقتصاص من مرتكبي جريمة الاغتيال الذين اقتصّ منهم اللبنانيون بشكل أو
بآخر».
6 ــ عدم شعور أي من الطرفين، الموالاة والمعارضة، بأن الفراغ خطير إلى الحد الذي يجعل كلاً منهما يبدي تراجعاً من شأنه أن يفك العقدة القائمة.