حسن عليق
تزايدت في بيروت خلال الشهرين الماضيين عمليات السلب التي يقوم بها منتحلو صفة رجال أمن، ويرتدي بعضهم بزات عسكرية. ورغم الاستنفار الأمني الذي تعيش العاصمة تحت وطأته، لم تتمكن القوى الأمنية من وضع حد لهذه الظاهرة

أثناء وجود قاسم بدر الدين (54 عاماً) قرب كنيسة مار يوسف في الأشرفية قبل ظهر أول من أمس، تقدّم منه شاب يستقل دراجة نارية مدعياً أنه رجل أمن. وطلب الأخير من بدر الدين إبراز أوراقه الثبوتية، ثم فتّشه ونشل منه ما في حوزته من أموال، وفر إلى جهة مجهولة. في اليوم ذاته، وفي منطقة البسطة، أوقَفَ شابٌ ادعى أنه من المباحث المواطن علي عليان (مواليد 1924)، ثم سلب من محفظته 350 ألف ليرة و100 دولار أميركي.
المواطنان المذكوران ليسا الوحيدين اللذين تعرّضا للسرقة من قبل منتحلي صفة أمنية في بيروت، التي شهدت خلال الأشهر الماضية عدداً كبيراً من عمليات السلب بالطريقة المذكورة. في المقابل، أوقفت قوى الأمن الداخلي عدداً من منتحلي الصفة، ومن العسكريين الأصيلين، المشتبه في قيامهم بعمليات سلب في بيروت والمناطق، وكان آخرهم المواطن س. ح. (25 عاماً) الذي أوقفته مفرزة بيروت القضائية يوم 6/12/2007. إلا أن هذا التوقيف لم يؤدّ إلى ردع السالبين، الذين يستمرون بـ«عملهم» في مختلف شوارع العاصمة.
ومن خلال متابعة عمليات السلب التي حدثت في العاصمة خلال الشهرين الماضيين، والتي تمكّنت «الأخبار» من إحصائها عبر مصادر أمنية، ظهر أن العدد الأكبر منها حصل في مناطق البسطة ورأس النبع والأشرفية، مع تركيز الاستهداف على كبار السن والسوريين.
باللباس العسكري أو ما يشبههادعى حمدان حمدان (1950، لبناني) أمام فصيلة الأشرفية أن شخصاً يرتدي بزة كحلية اللون، ويستقل دراجة نارية كبيرة الحجم من دون لوحات، أوقفه حوالى الساعة 12:30 من يوم 10/12/2007 في منطقة السوديكو، مدعياً أنه رجل أمن من دون تحديد الصفة، طالباً منه إبراز أوراقه الثبوتية. عندها، أخذ «رجل الأمن» المحفظة وسرق منها 500 ألف ليرة و100 دولار ثم أعاد المحفظة إليه.
وعند التاسعة والنصف من صباح يوم 4/12/2007، كان رأفت القاسم (سوري، 1982) يجر عربته التي يستخدمها لبيع الموز في شارع عمر بن الخطاب ـــــ محلة رأس النبع، فأوقفه شخص يرتدي بزة قوى أمن داخلي وقبعة حمراء كالتي يعتمرها رجال الأمن، منتحلاً اسم كمال الرفاعي مدعياً أنه يقوم بدورية في المنطقة. وأخذ «العسكري» محفظة بائع الموز، وطلب منه اللحاق به إلى فصيلة البسطة، ثم غادر بسيارة أجرة. وكانت المحفظة تحوي 160 ألف ليرة لبنانية و200 ليرة سورية وأوراقاً ثبوتية.
بعد نحو ساعة، تقدّم شاب بلباس عسكري وقبعة حمراء من حسين الخليفة (1985، سوري) في رأس النبع أيضاً، لكن في شارع محمد الحوت هذه المرة، وطلب منه إبراز أوراقه الثبوتية، ثم سرق محفظته وبداخلها 220 ألف ليرة لبنانية.
استهداف السوريين لم يستثن صغار السن منهم. فيوم 3/12/2007، ادعى نورس العواد (سوري، 1991) أمام فصيلة الأشرفية أن شاباً يرتدي بزة تشبه ملابس رجال الأمن الداخلي ويستقل دراجة نارية أوقفه بعيد السابعة من اليوم المذكور وطلب منه أوراقه الثبوتية. وعندما سلّمه إياها، قام «الأمني» بتمزيق بطاقة العودة ونشل منه مبلغ 20 ألف ليرة لبنانية، وفر إلى جهة مجهولة.
مفيد العكاوي (1941) تعرّض ظهر يوم آخر للسلب في منطقة رأس النبع ـــــ العاملية، قرب بنك بيبلوس، من قبل مجهول ادعى أنه من عناصر أمن الدولة، وكان يستقل دراجة نارية فضية اللون كبيرة الحجم. أما إبراهيم حنيني (1951، لبناني)، فأثناء وجوده في منطقة بشارة الخوري، قرب محلات شكري حماصني، توقف بقربه شاب على متن دراجة نارية كبيرة الحجم، وادعى أنه من التحري، وقام بتفتيشه وسلب منه مبلغ 1300 دولار اميركي وفر إلى جهة مجهولة.

أمن الحريري

في فردان، طوّر أحد منتحلي صفة رجل أمن «رتبتَه المعنوية». فيوم 8/12/2007، ادعى جوزف فواز (1962ـــــ لبناني) أمام فصيلة الروشة أن شاباً يستقل دراجة نارية تقدم منه أثناء وجوده أمام سنتر فردان 2، وادعى أنه من أمن الحريري، وطلب منه محفظته. وبعد تفتيشها، أخذ من داخلها 1200 دولار أميركي، قبل أن يفر إلى جهة مجهولة.

هل بين السارقين عناصر أمنية؟

مصدر أمني تحدّث لـ«الأخبار» عن هذه الظاهرة، مرجّحاً أن يكون أحد المشتبه فيهم على الأقل عنصراً في جهاز أمني رسمي. ويعود سبب هذا الترجيح إلى أن أحد السالبين الذي يستخدم دراجة نارية كبيرة فضية اللون، قام بإحدى «ضرباته» وسط انتشار أمني كثيف في منطقة رأس النبع، ظهيرة أحد الأيام التي دعِي فيها النواب لانتخاب رئيس للجمهورية.
وأكّد مصدر أمني آخر لـ«الأخبار» أن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تولي هذه الظاهرة اهتماماً كبيراً. وقد طلب المدير العام اللواء أشرف ريفي قبل أيام إعداد تقرير مفصل عن هذه العمليات، معطياً توجيهاته ببذل أقصى الجهود لتوقيف المشتبه فيهم. والجدير بالذكر أن هذه العمليات التي أوردت «الأخبار» عيّنة بسيطة منها، تجري في وقت تشهد فيه البلاد، وخاصة العاصمة، استنفاراً أمنياً عالياً منذ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية. ويبقى أن القوى الأمنية مطالبة بحماية المواطنين الذين يدفعون الضرائب في مقابل صون ممتلكاتهم وأرواحهم، وخاصة إذا ما صحّت الترجيحات التي تحدّثت عن أن بين المشتبه فيهم عناصر أمنية مكلّفة بحفظ أمن الناس.