جوان فرشخ بجالي
كان لأشمون، إله الشفاء عند الفينيقيين، معبد ضخم في ضواحي مدينة صيدا. وكان هذا المعبد بمثابة مستشفى للأطفال ذاع صيته في كلّ المدن الفينيقية، يأتي الناس إلى كهنته المختصين بالطب طالبين منهم إنقاذ أطفالهم، خصوصاً الذكور منهم.
يقع معبد أشمون على ضفة نهر الأولي، فوق تلة على مسافة 3 كلم شمال شرقي مدينة صيدا، في المنطقة المعروفة اليوم باسم بستان الشيخ. يعود تاريخ بنائه إلى أواخر القرن السابع ق.م. خلال حكم أسرة الملك أشمون عزر الصيدونية. وقد بُنيَ بجوار نبع عُرف في النصوص الفينيقية باسم نبع «عين يدل» لا تزال مياهه تجري حتى اليوم شرقي الموقع. وكان لمياه هذا النبع دور مهم في المعتقدات وخصوصاً في عملية الشفاء. فقد بنيت وسط المعبد «بحيرة مقدّسة» وضع في وسطها تمثال إلهة الحياة عشتروت، وكان الأطفال يغطسون في مياهها «الشافية» بقوة الآلهة ومن ثم يبدأ علاجهم.
ولا تزال آثار تلك «البحيرة»، ظاهرة في المعبد إلى اليوم، يتوسطها تمثال الآلهة، فيما تمتلئ مياه نبع يدال كلّ ربيع. وتقع البحيرة عند أسفل مصطبة عالية مبنية بالحجارة الكلسية الضخمة التي ترتفع عدة أمتار. وخلال التنقيبات الأثرية التي أجريت في المعبد، عثر العلماء على عناصر هندسية منحوتة في الرخام الأبيض في جوار المصطبة نُقلت كلها إلى المتحف الوطني في بيروت. وفي جوار المصطبة الكبرى ترتفع أخرى أقلّ أهمية وضخامة بنيت في فترة لاحقة.
وعلى الموقع أيضاً أبنية صغيرة مبعثرة هنا وهناك يفترض أنها كانت جزءاً من مساكن خُصّصت للقيّمين على المعبد ولزوّاره من الحجاج. وأهم ما عُثر عليه في المعبد من مقتنيات هي مجموعة رائعة من التماثيل الرخامية الصغيرة التي تمثّل أطفالاً يحملون في أيديهم حيوانات أليفة، وقد حُفرت على قاعدة هذه التماثيل إهداءات طقوسية للإله أشمون نقشت باللغة الفينيقية. وتلك المجموعة هي من أهم مقتنيات المتحف، وتعرف بأطفال أشمون. ويعتقد بأن تلك التماثيل كانت تترك في المعبد تقدمةً بعد شفاء الأطفال.
الجدير بالذكر أن استعمال معبد أشمون مركز شفاء للأطفال لم يقتصر على الفترة الفينيقية بل استمرت مزاولة الطقوس فيه حتى الفترة البيزنطية. وتغيّرت الشعائر الدينية فتحولت الديانة إلى المسيحية وبقيت طقوس الشفاء الوثنية.