طارق ترشيشي
فجأة، يقرّر الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى دعوة وزراء الخارجية العرب إلى اجتماع للبحث في الوضعين اللبناني والفلسطيني، بناءً على رغبة مصرية ـــــ سعودية، وهو كان قد أسرّ في الآونة الأخيرة، إلى بعض الذين اتصلوا به يستطلعون إمكان تحركه مجدداً في اتجاه لبنان بعدما عادت الأزمة فيه إلى دائرة التعقيد على رغم التوافق بين الموالاة والمعارضة على انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، أن الأزمة اللبنانية لا تزال معقدة وأنه ليس لديه خطط لزيارة بيروت وبذل مساعي جديدة.
وقطعاً لدابر الاسترسال في التوقعات والتفاؤل بهذا التحرك العربي الجديد، الذي لن يكون مصيره أفضل من التحركات والمبادرات العربية السابقة، سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الرد على خطوة موسى بدعوة العرب إلى التصالح وحل مشكلاتهم بداية، لأن من شأن ذلك أن يساعد على حل الأزمة اللبنانية. وطبيعي أن بري يقصد في كلامه الأزمة القائمة بين سوريا وعدد من الدول العربية، وتحديداً بينها وبين مصر والمملكة العربية السعودية صاحبتي الدعوة إلى مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي حدده موسى في السادس من الشهر المقبل موعد بدء جولة الرئيس الأميركي جورج بوش في المنطقة.
ويقول سياسي معارض إن العرب لم يستيقظوا إلا بعد مرور دهر من الصعوبات اللبنانية، وبعدما كان التدويل عبر قرارات مجلس الأمن قد نخر الجسد اللبناني مرة تلو الأخرى، وبعدما كانت إسرائيل عام 2006 قد استباحت لبنان بحربها، فلم يجتمع العرب إلا بعد أكثر من عشرين يوماً. وعند اجتماعهم لم يكونوا على مستوى الموقف المطلوب إلا بعضاً منهم. وعندما جاء عمرو موسى للمرة الأولى إلى بيروت وصف الحالة اللبنانية بأنها مشكّلة من «طبقات عدّة» ليعلن عندها أن حل المشكلة يكمن في تكامل الإرادات المحلية والإقليمية والعربية والدولية.
ويضيف السياسي المعارض أنه وبما أن الإرادة العربية مشلولة عبر غياب الموقف العربي الموحّد، بل المتناقض بعضه مع بعض، فإن الموقفين السوري والسعودي يشكلان رمزياً طرفي الصراع في لبنان من معارضة وموالاة، فكان أن السعودية تشكل «المرجعية» السياسية لتيار «المستقبل» الذي يشكل العمود الفقري لقوى 14 آذار، فإن سوريا بتحالفها مع حزب الله وحركة «أمل» والرئيس عمر كرامي ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية تمثل الطرف الآخر المواجه للسعودية. ولذا فإن الخلاف السعودي ـــــ السوري، والذي يأخذ من لبنان سواء عن قصد أو غير قصد ساحة تصفية حسابات لن يمكّن الجميع من الإمساك بالحل ما دام كل من الفريقين يريد إلغاء دور الآخر في لبنان، وخصوصاً السعودية التي تريد إلغاء الدور السوري أو التخفيف من وطأته، علماً بأن السوريين دعموا دورها في فلسطين بعد موافقتهم على إعلان اتفاق مكة الذي كانت قد أنجزت بنوده في دمشق.
ولذا، فإن الاجتماع العربي المقرر عقده في 6 كانون الثاني مع بداية جولة بوش في المنطقة يثير تساؤلات عدة حول مغزاه وتوقيته وأهدافه حيث سبق الإعلان عنه موقف مشترك فرنسي ـــــ مصري لافت ومستغرب في آن بتحميل سوريا مسؤولية عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في لبنان، والذي يشطب المعارضة اللبنانية من الساحة الداخلية ويجعلها أداة سورية. إضافة إلى أنه إذا كان الاعتراف الفرنسي ـــــ المصري بالنفوذ السياسي السوري في لبنان بلغ هذا الحد، فلماذا جاء هذا الاعتراف متأخراً وتم تجاوز سوريا لمدة سنتين. والمستغرب أكثر هو تلك اللغة الزاجرة المصرية ـــــ الفرنسية التي خوطبت بها سوريا، التي يهددها الجميع بأن تضغط على المعارضة اللبنانية، للقبول بإلغاء نفسها وإلغاء مشاركتها في النظام. وبمعنى آخر، المطلوب من سوريا أن تقيّد المعارضة وتترك الساحة اللبنانية مستباحة أمام الإدارة الأميركية لإعطائها فرصة الانقضاض عليها وعلى إيران وبعث الحياة من جديد في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تم خنقه عبر هزيمة إسرائيل في عدوان تموز 2006.
وفي هذا الصدد، يقول إن الرئيس الأميركي إذا كان يبحث عن جائزة ترضية في السنة الأخيرة من ولايته، ويرى أنه لا يستطيع تحقيقها إلا عبر الدور السوري، فلا السوريون يريدون أداء مثل هذا الدور ولا المعارضة اللبنانية تمكن أحداً من أن يلزمها بالتنازل عن حقها، حتى ولو كان اجتماع الوزراء العرب مقدمة للطلب من مجلس الأمن الدولي أن يرعى الانتخابات الرئاسية في لبنان لأن ذلك سيكون مقدمة للّهب الكبير الذي يمكن أن يشبّ في لبنان والمنطقة.
ويخلص السياسي المعارض إلى أن جامعة الدول العربية التي لم تستطع منع إثيوبيا من دخول الصومال ولم تستطع حل مشكلة دارفور في السودان، ولا مشكلة العراق ولا حتى مشكلة دخول ألفي حاج فلسطيني من معبر رفح إلى غزة، كيف يمكنها أن تحل الأزمة اللبنانية؟ ويقول: نكتة سنة 2008: العرب صمّموا على حل مشكلاتهم. فهل من يصدّق؟