باريس ـ بسّام الطيارة
لم تفاجأ الدوائر المتابعة للملف اللبناني بتصريحات الرئيس نيكولا ساركوزي بشأن لبنان، والتي أطلقها من على ضفاف النيل إلى جانب الرئيس المصري حسني مبارك. وليس هناك، بحسب بعض المتابعين، أي اختلاف بين ما أعلنه ساركوزي بشأن سوريا من على ضفاف النيل حين طالب دمشق بأن «تثبت رغبتها في تسوية الأزمة السياسية اللبنانية» وما قاله على هامش مؤتمر الدول المانحة للسلطة الفلسطينية، والذي أُخرج على شكل «إنذار لدمشق»، قبل أن يتكفّل الناطق الرسمي دافيد مارتينو «تنفيس بالون الإنذار» وحتى نفي وجوده.
إلا أن الجديد، حسب دبلوماسي عربي في باريس، هو «تفرّع الأصوات» الذي يرافق تصريحات ساركوزي الجديدة و«تناغمها» مع أصوات الدول العربية المؤيدة علناً وبـ«ضوضاء» للأكثرية، مما يدفع البعض إلى القول إن «ساركوزي قد نفض يده من الملف اللبناني».
هذا التناغم ومكان التصريح هو الإشارة الجديدة في التناقض الذي يمكن الالتفات إليه في الموقف الفرنسي.
ورغم تشديد ساركوزي في تصريحاته من القاهرة على كونه «غير نادم» على سياسة الانفتاح هذه، وأنه يتحمل مسؤولية «التعامل بكل حسن نية» مع الرئيس بشار الأسد، إلا أنه تابع قائلاً: «لا بد من الاعتراف اليوم بأنه لم يعد من الممكن الانتظار». واستطرد بجملة ذكّرت المتابعين بما نطق به الرئيس الأميركي جورج بوش قبل يومين من تصريحات الإليزيه الشهيرة «إننا ننتظر من السوريين أعمالاً لا
خطباً».
ويتساءل أحد الخبراء في الملف اللبناني: ما الذي تغيّر في هذا الملف خلال أيام العطلة الخمسة التي قضاها ساركوزي مع صديقته في مصر حتى يُجري الرئيس الفرنسي هذه الانعطافة بـ١٨٠ درجة؟. وخصوصاً أنه خلال هذه الأيام، كان رجل ثقته كلود غيان يعمل على الخط اللبناني للتوصل إلى تأليف حكومة ترضي جميع الأطراف. ولم يبدر من غيان إشارة إلى أن الإعاقة قد تكون قادمة من دمشق، لا بل أنه، بحسب مصدر مقرّب من الأكثرية اللبنانية، «تطوّع بنقل عروض دمشق بالتوافق على الحكومة إلى بعض أقطاب الأكثرية بواسطة الفاكس»، مما يدل على أن «سكة التفاوض كانت سالكة في اتجاه العاصمة السورية».
ويتفق هذا الخبير مع مصادر دبلوماسية أوروبية على أنه إذا كان قد حصل تغيير في مسار المبادرة الفرنسية، فإنما حصل «خلال اللقاء غير الرسمي الذي جمع ساركوزي وحسني مبارك في شرم الشيخ» قبل يومين.
وفهم خلاله الرئيس الفرنسي أن «استرداد التفويض الأميركي له قد حان أوانه»، وأن تفويضاً جديداً للفريق العربي هو في طريق «التركيب»، ويعتمد على ضغوط تسبق التحضيرات للقمة العربية في دمشق. وكان من طبيعة الأمور أن يحاول ساركوزي «الركوب على موجة تغيير المعطيات» فيذهب في اتجاه التشدد.
ويلاحظ المراقبون أن عودة الطرف العربي إلى واجهة محاولات الحل كانت دائماً مطلباً أميركياً حتى في عزّ «الغزل الأميركي ـــــ الشيراكي» حول لبنان، وأن شيراك عرف دوماً كيف «يلتصق بالثنائي المصري ـــــ السعودي» لعدم مضايقة الاستراتيجيا
الأميركية.
وهذا ما يفسّر «التضايق الحقيقي» (رغم التكذيبات) من مبادرة كوشنير في لبنان. ويقول أحد المراقبين إن الأكثرية اللبنانية كانت أول من أظهر تضايقه من المبادرة الفرنسية، واستطاعت من خلال «حملة إعلامية مكثفة» زعزعة المبادرات الفرنسية، وبلغت هذه الحملة ذروتها قبل أسبوعين، حين شدد عدد من أقطاب الأكثرية في تصريحات إلى الصحف الفرنسية على «سذاجة ساركوزي في تعامله مع
بشار».
ويتابع المراقب أن «الأكثرية استطاعت استيعاب ضربة المبادرة الفرنسية». وقد يفسر هذا «غياب كوشنير عن السمع» لدرجة لم يتردد معها بعضهم في تحوير عبارة «ساركوزي نفض يده من الملف اللبناني» إلى عبارة «ساركوزي كفّ يد كوشنير عن الملف
اللبناني».