عمر نشّابة
مرّ عام 2007 من دون أن تحقّق وزارة العدل تقدّماً عملياً ملموس في تطوير نظام العدالة وإصلاح المؤسسات القضائية وتجهيزها بما يتناسب مع حاجاتها، بل تركّز اهتمام الدولة على المحكمة الدولية التي لا سلطة حقيقية للبنان فيها. بالمقابل تؤكّد وزارة العدل أنها حقّقت إنجازات. ما هي تلك الإنجازات وكيف تخدم المواطنين؟

صدرت عن مجلس الوزراء تقارير تشير إلى ما وصف بالإنجازات التي حقّقتها حكومة فؤاد السنيورة خلال العام المنصرم. وتضمّنت تلك التقارير قسماً خاصاً بإنجازات وزارة العدل. ويتألف هذا القسم من خمس فقرات:
1- التحقيقات في القضايا الجنائية
ذكر تقرير «الإنجازات» أن الوزارة «عقدت اجتماعات عديدة مع مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون القانونية بهدف التفاوض في موضوع إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي». والإنجاز الثاني في هذا الإطار هو أن الوزارة «أوفدت قاضيين إلى الأمم المتحدة وإلى لاهاي لمتابعة المفاوضات، التي أدت إلى وضع صيغة نهائية لنظام إنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي». ولا يغفل التقرير أنه «قد تم التوصل إلى إقرار تلك الصيغة في مجلس الأمن» من دون سعي الحكومة الجدّي إلى تحقيق إجماع وطني عليها. فالإجماع على المحكمة هو، مهنياً، الضمانة الأساسية لنجاح عملها.
يذكر التقرير إنجازاً آخر تمثّل بـ«عقد عدة اجتماعات دعا إليها وزير العدل مع المحقق الدولي براميرتس، بالإضافة إلى اجتماعات متواصلة مع المدعي العام التمييزي والمحقق العدلي». و«إنجازات» إضافية تمثّلت بـ«متابعة مجريات التحقيق في الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي طاولت شخصيات لبنانية وإحالة بعضها على المجلس العدلي، وكذلك التحقيقات في الانفجارات التي وقعت في مختلف المناطق، كما ومواكبة التحقيقات التي أدّت إلى توقيف مرتكبي جريمة تفجير الحافلتين في عين علق». لكن حتى اليوم لم يصدر قرار قضائي اتهامي بحقّ الموقوفين في جريمة عين علق. المستغرب هو كيفية قياس كاتب التقرير لإنجازات وزارة العدل. فالإنجازات في التحقيقات الجنائية تظهر ملامحها من خلال القرارات والأحكام القضائية، لا من خلال محاضر البوليس ومؤتمرات وزير الداخلية والمدير العام لقوى الأمن الداخلي الصحافية.
تقرير إنجازات وزارة العدل لعام 2007 يذكر «القبض على خلايا إرهابية، ولا سيما أعضاء من منظمة فتح الإسلام وخلايا أخرى مرتبطة بتنظيم القاعدة». لكن لم يكن للوزارة أي دور يسجّل في «القبض» على المشتبه فيهم، بل أشرفت النيابات العامة على التحقيقات التي لم تؤدّ حتى اليوم إلى إدانة كلّ الجناة وكشف حقيقة انتشار «خلايا» إرهابية في لبنان.
2- إنجازات على الصعيد التنظيمي
من بين إنجازات وزارة العدل لعام 2007 «إعداد مشروع مرسوم التشكيلات القضائية للسنة القضائية 2006ـــــ 2007 الذي اقترحه مجلس القضاء الأعلى بالإجماع ووقعه رئيس الوزراء ووزير العدل». لكن «تعذر إصدار هذا المرسوم، وبالتالي تطبيقه، حيث ما زال ينتظر توقيع رئيس الجمهورية». كما نجحت الوزارة بـ«إعلان أهلية 38 قاضياً متدرجاً بقرار من مجلس القضاء الأعلى، إلا أن مرسوم تعيينهم قضاةً أصيلين تعذّر تطبيقه أيضاً بانتظار توقيع رئيس الجمهورية». لعلّ أهمّ ما حققته وزارة العدل خلال 2007 هو صدور قرارات عن هيئة التفتيش القضائي «بإحالة (12) قاضياً على المجلس التأديبي للقضاة، (8) مساعدين قضائيين على المجلس التأديبي للمساعدين القضائيين وقرارات قضت باقتراح وقف قاضٍ عن العمل وبتوقيف مساعدين قضائيين عن العمل وقرارات قضت بتوجيه التنبيه إلى (11) قاضياً».
وبعد العدوان الإسرائيلي على لبنان نُفِّذَت أعمال الصيانة والتأهيل والتصليح لمحاكم تبنين، بنت جبيل، مرجعيون، وبعلبك، بحيث عادت هذه المحاكم إلى العمل بشكل طبيعي». لكن لم تتمّ أي أعمال صيانة تذكر في قصور عدل بيروت وبعبدا، حيث ما زالت قاعات المحاكة تفتقر للحدّ الأدنى من التجهيز والأثاث.
اللافت في التقرير هو ذكره «متابعة إنجاز المخطط التوجيهي العام لمكننة العمل القضائي والمحاكم»، بينما لا تزال الأحكام والقرارات القضائية تسجّل بخطّ الكاتب أو بواسطة الحاسوب الشخصي للقاضي. فمكاتب القضاة في قصور العدل والقلم المحكمة ليست مجهّزة بكمبيوترات.
أما في ما يخصّ السجون، فذكر التقرير أنه «تم إعداد مشروع مرسوم لتنظيم هذه المديرية وتحديد مهامها وصلاحياتها وملاك الموظفين فيها عام 1997، وفي الوقت الراهن يجري العمل على اتخاذ الخطوات اللازمة لصدور هذا المرسوم. وقد عقدت اللجنة المشتركة المؤلفة من الوزارات المعنية المكلفة دراسة أوضاع السجناء والسجون في لبنان، عدة اجتماعات في السرايا الكبيرة برعاية دولة رئيس مجلس الوزراء، ويستمر العمل على متابعة هذا الجهد للوصول إلى النتائج المرجوة». إذاً لا إنجازات في هذا الإطار، فعدم التمكّن من إحراز تقدّم رغم كلّ الاجتماعات لا يعدّ إنجازاً بغض النظر عن أسباب الفشل.
في إطار مشروع عدالة الأحداث، «استحدثت مصلحة حماية الأحداث برنامجاً معلوماتياً يعرف بـ«بسما» ويقوم على جمع وتوحيد وتسجيل كل المعلومات المتعلقة بالحدث». (...) «كما تم إطلاق دراسة عن الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر». وهنا أيضاً لا بدّ من الإشارة إلى أنه رغم ضرورة الدراسة والبرامج المعلوماتية، لم ينجز تحسين عملي على أوضاع الأحداث على خلاف القانون اللبناني.
3- إنجازات على صعيد القوانين والدراسات وأحكام المحاكم
قبل عرض ما ذكره التقرير في هذا الإطار، لا بدّ من الإشارة إلى أن النظام اللبناني يرى المحاكم مستقلّة عن السلطات التنفيذية التي تمثل وزارة العدل جزءاً منها، وبناءً على ذلك يستغرب أن تندرج «أحكام المحاكم» ضمن إنجازات وزارة العدل.
تحدّث التقرير عن «إنجاز مشروع القانون الرامي إلى إنشاء البطاقة الاغترابية» و«إعداد مشروع تعديل القانون الرقم 422/2002 المتعلق بحماية الأحداث المخالفين أو المعرضين للخطر» و«تعديل بعض أحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية». كما ذكر التقرير «تحضير مرسوم يقضي بتوسيع ملاك المحاكم في لبنان تبعاً لتوصية مجلس القضاء الأعلى» و«إنجاز مشروع قانون إعادة بناء الأبنية المتضررة أو المهدمة نتيجة الاعتداء الإسرائيلي».
4- التحضير لإقامة دعوى على إسرائيل
قامت الوزارة تحت إشراف النائب العام التمييزي، بعملية جمع الأدلة على الاعتداءات الإسرائيلية والجرائم التي ارتكبتها، وعملت على توثيق تلك الأدلة «على أن يتم، في ضوء التشاور في مكاتب محاماة دولية سوف تتولى إقامة الدعوة». لكن حتى بعد مرور سنة ونصف تقريباً على العدوان الإسرائيلي لم تقم الدعوة، ما يطرح تساؤلات عن أسباب التأخير. على أي حال لا يفترض أن يوصّف التحضير للدعوة إنجازاً، بل الإنجاز يقاس بمدى تحصيل لبنان لحقوق المتضرّرين من العدوان.
5- إنجازات على الصعيد الدولي والإقليمي
ذكر التقرير «إنجازات» تبدو أقرب إلى العمل الروتيني البيروقراطي للوزارة وليس فيها أي تقدّم لافت في خدمات الوزارة للمواطنين على الصعيد العملي، ومنها «متابعة التعاون مع UNDP والبدء بتنفيذ برامج «نحو تحسين مجالات الولوج إلى العدالة عبر تحسين الشفافية والفعالية». كما رأى التقرير أن بين الإنجازات «متابعة إعداد مشروع اتفاق تعاون بين لبنان والمملكة العربية السعودية في مجال تسليم المتهمين والمحكومين» و«العمل على استكمال تحضير مشروع الاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والأوكرانية».
ولا بد في النهاية من الإشارة إلى أن المنطق الديموقراطي في مجال عمل المؤسسات يقضي بوجوب أن يرى المواطنون إنجازات عملية أبعد من «السعي». فالإنجازات تقاس بما تحقق لا بالنيات، ولو كانت حسنة.