strong> عبد عساكر
اختار كل من جمال وكرم شوّا طريقه الخاصّ، فجمال ترك جامعته في بيروت، وهاجر إلى الكويت التي عاد منها مع أهله خلال حرب الخليج الأولى، ليكمل دراسته الجامعية ويبحث عن عمل. أما كرم فغادر جامعته ليحافظ على عمله في مجال بيع الملبوسات في بيروت، بعدما اضطر إلى الاختيار بين العمل والجامعة.
ورغم أن جمال يكبر كرم بسنتين، فحياة الشقيقين تكاد تكون واحدة، وخصوصاً أنّ المدرسة التي تسجلا فيها بعد عودتهما من الكويت عمدت إلى وضعهما في صف واحد، «لأن المدارس اللبنانية تنظر إلى المناهج التعليمية العربية على أنها متخلّفة لناحية اللغة الأجنبية»، يقول جمال باستهزاء.
«كان علينا أن نبدأ من الصفر، فدخول صدام حسين إلى الكويت سبّب خروجنا منها»، يوضح الشقيقان. «لكن ترك الكويت كان مكلفاً: خسرنا كل شيء من المنزل والسيارة وصولاً إلى عمل أبي».
وفي لبنان، لم يحالف الحظ العائلة. «فأقمنا في بقعاتا الشوف بلدة أبي واستطعنا الحصول على منزل، لكن والدي بقي من دون عمل لمدة أربع سنوات، ثم افتتح مطبعة، لكن عائداتها لم تسمن ولم تغن من جوع».
وأدّت الضائقة المالية إلى ترك جمال المدرسة ومتابعة الدراسة المهنية في علوم الكومبيوتر، تماشياً مع العصر ولعلّه يجد وظيفة تساعد على مصروف المنزل. ولم تكد تمضي سنة حتى كان كرم يحذو حذو أخيه بحثاً عن حياة أفضل، وخلال الدراسة المهنية عمل جمال وكرم لتسديد الأقساط.
وبعدما أنهى الشقيقان الدراسة المهنية قدم إلى بيروت لمتابعة الدراسة الجامعية. «وفي بيروت كان علينا أن نبدأ من جديد، ومن الطبيعي أن يكون اختيارنا الأكاديمي مواكباً للعصر»، فدرس جمال «البزنس» في الجامعة العربية المفتوحة، أمّا كرم فدرس «الغرافيك ديزاين» في «الميكات» وعمل في الوقت نفسه في مجال الملبوسات لتسديد قسط الجامعة المرتفع، باعتبار أنّ الشهادة المهنية لا تخولهما الدخول إلى الجامعة اللبنانية.
وبعد مرور سنتين على الإقامة في بيروت اتخذ جمال قرار السفر إلى الكويت، فيما ترك شقيقه الجامعة، تفادياً لتحمّل المصاريف وحده، من إيجار المنزل والنقل، ولا سيما أنّه يرفض طلب المال من والديه بعدما استقلّ مادياً عنهما منذ بلوغه الثامنة عشرة. لكن أحلام كرم لم تتوقّف، فهو يأمل متابعة دراسته إذا تحسّنت أحواله. ويطمح إلى التخصّص في تصميم الأزياء.
قصة جمال وكرم لا تختلف عن قصص الكثيرين، فظاهرة «التسرب الجامعي» غير مدروسة اجتماعياً في وطننا وأصحاب القرار غير مبالين بنسبة المتسربين.