أنطوان سعد
تتأرجح التحليلات وتوقعات الأوساط السياسية في شأن تطور الأوضاع السياسية في لبنان بين جمود وتهدئة في انتظار تقدم المحادثات السعودية ـــ الإيرانية، واستشراف توتر جديد ناتج من تعثر هذه المحادثات لأن آفاقها مسدودة في ظل تمسك الطرفين المتنازعين بموقفيهما. وبات أكثر فأكثر واضحاً أن المسألة عالقة عند تعديل مشروع قانون المحكمة بما يحفظ عدم توسّع القضية في اتجاه يمكن أن يمثّل منفذاً للنيل من النظام السوري إضافة إلى مسألة تسمية الوزير المستقل الذي تصر المعارضة على أن يكون مقبولاً منها وغير بعيد عن أجوائها، وبالتالي أن يكون مستعداً لمواكبتها إذا وقع خلاف جذري بين السلطة والمعارضة في مجلس الوزراء.
وفي هذا الإطار، تلفت شخصية سياسية مستقلة ولكن أقرب إلى فريق الرابع عشر من آذار منه إلى قوى الثامن من آذار، إلى أن لا إمكان لحل الأزمة اللبنانية الحالية من دون تحقيق تسوية مع سوريا في شأن المحكمة ذات الطابع الدولي. وترى هذه الشخصية التي أبلغت موقفها هذا إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى عندما زار بيروت، أن على تيار المستقبل أن يكون مستعداً «للتضحية بعض الشيء» والاكتفاء بحد معين من الملاحقة أو بالتوقف عند سقف معين يشبه الحد الذي تم التوقف عنده لدى تسوية وضع ليبيا في قضية لوكربي.
وفي تقدير هذه الشخصية، أن التضحية الكبيرة التي مثّلها اغتيال الرئيس رفيق الحريري والتي أدت إلى ما أدت إليه من نتائج على مستوى استعادة لبنان لسيادته وتبلور وعي وطني متمسك بقيام الدولة القوية المستقلة عن سوريا، تستوجب إدارة حكيمة من جانب تيار المستقبل تعرف الحد الذي يجب الوقوف عنده حتى لا يضيع كل ما تحقق. كما أنها تلفت إلى أن الاقتصاص من المجرمين الذين اغتالوا الرئيس الحريري لا يكون بإنزال عقوبة بحق المرتكبين بقدر ما يكون بانتصار مشروع قيام لبنان المستقل الذي أراده الرئيس الشهيد. وبالتالي لا بد من البحث عن الحد الذي يؤمّن رد الاعتبار المعنوي وتحميل المسؤولية للجاني لكن من دون أن تتحول نتيجة المحكمة إلى فرصة للانقضاض على النظام السوري وتصفية الحسابات معه في ظرف يشعر فيه هذا الأخير بأنه مستهدف. وغنيّ عن البيان أن الأنظمة التي تشبه النظام السوري أي القائمة على قمع ما تعتبره احتمال الخطر وليس فقط خطراً، مستعدة لاعتماد كل الوسائل للحؤول دون قيام المحكمة ذات الطابع الدولي. وهذا قد لا يكون في مصلحة لبنان واللبنانيين التوّاقين للخروج من زمن الهيمنة السورية وحال الفوضى والاغتيالات التي تلتها إلى مرحلة جديدة من الاستقرار والتطبيع مع النظام السوري.
من جهة أخرى، تنظر مرجعية سياسية رسمية بحذر إلى التفاؤل الناتج من المحادثات الإيرانية ـــ السعودية ومن تبادل التحية بين الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة وبعض قوى الأكثرية. وترى هذه المرجعية أن الأمين العام لحزب الله لم يقل جديداً في موضوع الحل السياسي بالقدر الذي يستأهل هذا القدر من التجاوب من جانب فريق الأكثرية. وتحذّر المرجعية المشار إليها من الإفراط في التفاؤل غير المبني على وقائع ملموسة وخاصة أن عناصر المشكلة لا تزال قائمة في المقدار نفسه. وتلفت إلى توافر معطيات لديها تجعلها تخشى تدهوراً كبيراً في الوضع السياسي قد يرافقه تدهور أمني وخصوصاً في النصف الثاني من شهر شباط الجاري حيث سيبلغ ذروته، إذا وقع، في مطلع آذار المقبل. هذا إذا لم يطرأ تعديل في موقف المعارضة أو الموالاة من مسألتي المحكمة وطريقة تسمية الوزير المستقل عنهما في الحكومة العتيدة أو في الحكومة الحالية المرمّمة.
وتبدي هذه المرجعية اعتقادها، بمقدار كبير من الثقة، بأنه بعد العاصفة المقبلة، إذا لم تنجح المساعي الحالية الجارية في منع حدوثها، ستأخذ الأمور طريقها إلى التسوية الهادئة قبل أن يحين موعد الانتخابات الرئاسية في نهاية الصيف القادم الذي سيشهد برأيها انتخاباً لرئيس جديد للجمهورية وانتقالاً هادئاً للسلطات الدستورية من دون الخشية من حدوث فراغ على مستوى الرئاسة الأولى أو قيام حكومتين تتنازعان السلطة الشرعية.