البقاع ــ عفيف دياب تشهد عشرات القرى البقاعية، ولا سيما في البقاعين الأوسط والغربي، «حملة» ترهيب وترغيب لعائلات وأشخاص ومؤسسات اقتصادية من لون مذهبي واحد، وقد فشلت كل المحاولات السياسية في لجم هذه «الحملة» غير المنظمة حتى اللحظة من جانب «متعصبين» دينياً ومذهبياً... وحتى سياسياً.
وطاولت «الحملة» حتى الأمس أشخاصاً من أسر وعائلات واحدة كانت تعيش في أمان اجتماعي وديني قبل موجة «التخندق» المذهبي التي باتت تهدد الحياة الاجتماعية في البقاع، ويخشى أن تتحول إلى «تسونامي» يجرف معه كل ما تبقى من «أمن» اجتماعي في قرى وبلدات تعرف بتنوعها «الديموغرافي».
وآخر تجليات «حملة الترهيب» كانت بالأمس في إحدى قرى البقاع الغربي حين اضطرت تسع عائلات من «مذهب» إسلامي إلى مغادرة البلدة بشكل نهائي جراء «المضايقات» وعملية الترهيب التي طاولتها من أنصار تيار سياسي، وفشلت محاولات رئيس البلدية وبعض القيادات السياسية في إقناع هذه العائلات بعدم مغادرة البلدة، ولا سيما أنهم يقطنون فيها منذ سنوات وكانوا يعيشيون بهدوء مع جميع الأهالي قبل المد «المذهبي».
وكانت عدة قرى بقاعية ومدارس رسمية وخاصة في بلدات من لون مذهبي واحد، قد شهدت أيضاً «حملة» محدودة سرعان ما تصاعدت وتيرتها خلال الأيام الماضية بعد إضراب الثلاثاء في 23 من الشهر الماضي، وأحداث الجامعة العربية الخميس الماضي، حيث نجحت محاولات «الترهيب» النفسي وحتى الجسدي التي تعرض لها مواطنون في حسم الموقف و«المغادرة» تلقائياً نحو «الاستقرار» الاجتماعي والمهني في قراهم الأصلية أو الى قرى من لونهم المذهبي.
وقال أحد المعلمين في مدرسة خاصة في إحدى قرى قضاء زحلة لـ«الأخبار» إنه أبلغ صاحب المدرسة ومديرها أنه لم يعد يستطيع الاستمرار في إعطاء الدروس جراء ما يتعرض له من مضايقات من طلابه وبعض شباب البلدة الذين طلبوا منه مغادرة المدرسة بشكل نهائي وإلا سيرى ما لا يعجبه. وأضاف «أنا لست طائفياً، وسياسياً أقف ضد الموالاة والمعارضة، وحتى اسمي لا يوحي أنني أنتمي الى هذا المذهب أو ذاك، ولكن كل هذا لم يعطني الأمان والاستقرار في وظيفتي».
هذه العملية سُجّلت أيضاً في أكثر من مدرسة في شمال البقاع الأوسط، حيث نجحت إحدى معلمات مادة التاريخ في ثانوية رسمية بالحصول على «واسطة» ساهمت في نقلها الى ثانوية بلدتها بعدما تعرضت لمضايقات من زملاء لها وبعض طلابها الذين كانوا يسألونها كلما دخلت «الصف» عن هويتها السياسية بعدما عرفوا هويتها المذهبية و«بدأ الخطر يتهددني»!
حملة التطهير العرقي في البقاع طاولت أيضاً أفراداً في أسر وعائلات واحدة، وسجلت أكثر من عملية «طلاق» بين زوجين بسبب الاختلاف المذهبي. وفي إحدى القرى القريبة من مدينة شتورا أبلغ شقيق شقيقتيه المتزوجتين من شخصين من غير مذهبهما منذ سنوات بضرورة طلب «الطلاق» أو «التبرؤ» منهما، ما حمل زوجيهما على مغادرة البلدة الى مسقط رأسيهما.
«الفرز» المذهبي في البقاع عامة، وصل أيضاً إلى الاقتصاد والتجارة. فقد بدأت منذ فترة حملة «المقاطعة» الاقتصادية، والمتابع يلحظ أنها «حملة» منظمة وليست «عفوية». ويقول صاحب محل تجاري على طريق شتورا ــ المصنع قرب بلدة بر الياس (البقاع الأوسط) إنه أقفل مؤسسته بسبب مقاطعة الزبائن له لأنه من مذهب غير المذهب الأكثري في المنطقة، مشيراً إلى أن عدداً من أصدقائه «أقنعونني بالمغادرة ريثما تهدأ التوترات المذهبية».
وتداركاً لتطور أمور «التخندق» المذهبي، عُقدت سلسلة اجتماعات في عدد من القرى البقاعية لبحث هذا «الأمر» والسعي للحد منه، والعمل على توفير حماية اجتماعية لمواطنين من مذاهب أخرى يعيشيون في قراهم وبلداتهم منذ سنوات وسنوات.