مرجعيون ــ عساف أبورحال
يكاد «الدردارة» في سهل مرجعيون أن يصبح النبع الأفقر ماء، بعد أن كان الأكثر غزارة في الماضي القريب. ويبدو اليوم حزيناً حتى الموت لقلة مياهه العاجزة عن الجريان لبعث الحياة في الأراضي الزراعية المجاورة. والسبب يعود إلى انتهاك حرمته بحفر ما هب ودب من الآبار الارتوازية في محيطه، فشحت مياهه وغلب على أمره، وهو اليوم قاب قوسين أو أدنى من أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. والأخطر أن قرابة ألف عائلة تعتاش على الزراعة باتت مهددة في أرزاقها جراء الضعف والشحالدردارة» نبع في سهل مرجعيون، أطلقت عليه التسمية حسبما يروى نسبة إلى دردار ملك الكنعانيين الذي سكن منطقة «الخرايب» قرب بلدة الخيام.
يقع النبع في النصف الشمالي من سهل مرجعيون بمحاذاة الطريق العام الممتد جنوباً نحو فلسطين المحتلة، ويبعد عن مرجعيون نحو ثلاثة كيلومترات وتشرف عليه بلدة الخيام من الجهة الشرقية. كان يغذي القرى المجاورة بمياه الشفة حتى عام 1935 عندما أنشأ الانتداب الفرنسي شبكة لجر المياه من ينابيع بلدة شبعا إلى قرى قضاءي مرجعيون وحاصبيا. اعتمد عليه المزارعون في ري زراعاتهم وبساتينهم، وكان مقصداً للمتنزهين من كل القرى والبلدات المجاورة. تقدر الكمية المتدفقة منه بـ( 18 إنشاً) من المياه العذبة الصالحة للشرب تتجمع في بركة تبلغ مساحتها بضع مئات من الأمتار المربعة. كان قديماً محاطاً بنبات العليق والقصب والأشجار المختلفة، وشكل محطة رئيسية لرعاة المواشي، وأقام الانتداب البريطاني على مقربة منه مستشفى عسكرياً لمعالجة جرحاه خلال الحرب العالمية الثانية، دمره الاحتلال الإسرائيلي في حربه الأخيرة على لبنان.
ترتبط مياه الدردارة بواقع حضاري متوارث خلفه الأجداد، فبالإضافة إلى ري المزروعات أقيمت منذ نحو مئتي سنة، مطحنة للحبوب تسمى «الرقيقة» جنوبي النبع، جرت إليها المياه بواسطة قناة يبلغ طولها نحو كيلومتر ولا تزال قائمة حتى اليوم، لكن العوامل الطبيعية وتعاقب الزمن خلف بعض التلف في بنائها. ويقول المسنون من أبناء المنطقة إن المطحنة شهدت عصراً ذهبياً، إذ استقطبت المزارعين وفي حوزتهم أطنان من الحبوب سنوياً لكن العمل توقف فيها منذ أكثر من 50 عاماً.
وفي عام 1950 حفر بئر ارتوازي يعلو النبع من جهته الشمالية، تبين لاحقاً بعد ضخ المياه أنه يؤثر سلباً على مياه النبع، فأغلق حفاظاً على سلامة الدردارة. ويقول عدد من المزارعين إن الحكومة اللبنانية أنشأت في عام1952 شبكة من الأقنية طولها خمسة كيلومترات لري 50 ألف دونم من الأراضي الزراعية في سهل مرجعيون. وكان توزيع المياه على الأراضي يخضع لنظام تم التوافق عليه بين الدولة والمزارعين، ويقضي بتعيين ناطور يشرف على التوزيع مداورة لقاء أجر شهري قدره 150 ليرة لبنانية تدفعها الدولة. وخلال فترة الاحتلال الإسرائيلي تعرضت أقنية الري لاعتداءات أثّرت سلباً على المزروعات في قرى وبلدات الخيام والقليعة ومرجعيون ودبين وبرج الملوك وغيرها.
وبعد التحرير برزت مشكلة، في غاية الخطورة، تمثلت في حفر آبار ارتوازية في محيط النبع، ما ألحق ضرراً بالغاً لجهة خفض منسوب المياه التي باتت ساكنة غير قادرة على الجريان في الأقنية المخصصة لها، كما أن قلة الأمطار هذه السنة زاد الطين بلة، وأمام هذا الأمر يتفق المزارعون على أن مياه نبع الحمام في الطرف الشمالي من السهل نضبت منذ سنوات بسبب حفر آبار في مرج الخوخ القريب، وهذا ما لا يقبلون بحدوثه في نبع الدردارة الذي يؤمن لقمة العيش لمئات العائلات الزراعية.