طارق ترشيشي
يطمح الرئيس أمين الجميل بقوة للوصول الى رئاسة الجمهورية مجدداً، ولأجل ذلك يسعى لأن يكون مرشحاً مقبولاً لدى فريقي السلطة والمعارضة، وهو في عز الأزمة القائمة بينهما وعلى رغم انتمائه الى معسكر «14 آذار» يبقي خطوط الاتصال والتواصل مفتوحة بينه وبين قيادات في المعارضة وقيادات أخرى مستقلة.
والواقع ان طموح الجميل الرئاسي هذا ليس جديداً، وإنما هو موجود لديه منذ أن كان في منفاه الاختياري في أوروبا والولايات المتحدة، لكنه لم يبرز بوضوح الى العلن إلا بعدما عاد من الخارج قبل سنوات واستعاد إرث والده الشيخ بيار الجميل في رئاسة حزب الكتائب ولو بصفة «الرئيس الأعلى» للحزب.
ولا يتوقف الجميل في طموحه الرئاسي الجديد عند التقويم اللبناني العام السلبي لعهده الرئاسي السابق (1982 ـ 1988)، متصرفاً على أساس ان الإرادة الخارجية هي التي تختار رئيس الجمهورية اللبنانية، ولعله خبر هذا الأمر بنفسه عندما وقع الخيار عليه لهذا المنصب غداة اغتيال شقيقه الرئيس المنتخب بشير الجميل في 14 أيلول 1982 أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان.
ولذا حاول الجميل ولا يزال الاستفادة من علاقاته الدولية وصداقاته في فرنسا والولايات المتحدة من أجل النفاذ مجدداً الى الكرسي الأولى في الجمهورية. ولم يخف ترشيح نفسه للرئاسة على طاولة الحوار الشهيرة وكذلك أمام أصدقائه المحليين والعرب والدوليين وفي مقدمهم وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد أحد صقور الإدارة الأميركية الحالية الذي تربطه به صداقة متينة منذ ان كان في رئاسة الجمهورية، وأُبرمت يومها صفقة الأسلحة الشهيرة للجيش اللبناني، والهجوم الذي شنّه على دمشق من واشنطن عندما هدد من هناك بقصف دمشق، فيما كان تحالف حركة «أمل» والحزب التقدمي الاشتراكي وبقية الأحزاب والشخصيات في إطار ما سمي «جبهة الخلاص الوطني» يقودون انتفاضة ضد عهده سُميت لاحقاً «انتفاضة 6 شباط» التي تحلُّ ذكراها غداً.
ويعتقد الجميل ان الدعم الأميركي لقوى «14 آذار» وحكومتها وما يشكله مع فرنسا من وصاية دولية على لبنان يمكن ان يشكل عامل دعم له في الترشح لرئاسة الجمهورية من بين بقية المرشحين. ولذلك لا يترك مناسبة إلا ويحاول الاستفادة منها، فلم يجد غضاضة في الخريف الماضي عندما زار واشنطن في مفاتحة صديقه رامسفيلد على الأقل في أمر دعم ترشّحه لرئاسة الجمهورية وأن يكون بنداً من بنود أي أجندة تفاوض أميركية ــ سورية سرية أو علنية. وقد حرص الجميل يومها على تأكيد رغبته في ان يكون مرشحاً رئاسياً مقبولاً من الجميع داخلياً وعربياً ودولياً وانه في هذا المجال، ومن خلال ما تعلمه من تجربته السابقة، يرغب في ان يكون مقبولاً لدى سوريا لكونها الجار الأقرب للبنان والأكثر تأثيراً في حياته السياسية. وقيل إن رامسفيلد أكد له ان الولايات المتحدة لا تستطيع ان تفاتح سوريا في أمر من هذا النوع حالياً في ضوء العلاقة المتوترة القائمة معها، ولكن في الإمكان تكليف «صديقنا (الرئيس العراقي) جلال الطالباني بمفاتحة الجانب السوري بهذا الأمر لكونه على علاقة متينة مع المسؤولين السوريين، وقد عاش في سوريا فترة طويلة أيام حكم صدام حسين».
وقيل أيضاً ان رامسفيلد نصح الجميل بالاجتماع مع طالباني لهذه الغاية، وقد اتصل بهذا الأخير ورتَّب للجميل زيارته الشهيرة لكردستان العراق التي كانت وزيارة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لواشنطن السبب في تأجيل جلسة انعقاد «طاولة التشاور»، التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعد عيد الأضحى المبارك، أسبوعاً. وعندما زار الجميل كردستان العراق تحت عنوان «البزنس»، أُعلِنَ انه التقى رئيس الإقليم مسعود البارزاني، ولكن ما لم يُعلن يومها هو لقاؤه مع الطالباني الذي أبقى ما دار خلاله طي الكتمان الى ان تكشف لدى زيارة طالباني الأخيرة لدمشق التي دامت 6 أيام.
ورشح ان طالباني فاتح قيادات سورية من الصف الثاني وبعض مساعدي المسؤولين الكبار في أمر طموح الجميل الرئاسي، فسمع بعضهم يصف موقفه من سوريا ومما يجري في لبنان بأنه «موقف عاقل» متميز عن بقية أركان «14 آذار»، لكنه لا يستطيع ان يكون مرشحاً رئاسياً مقبولاً في الموقع الذي هو فيه.
والآن زيارة الجميل الحالية هي، كما يصفها البعض، «حج سياسي»، يتابع خلالها ما كان أثاره مع المسؤولين الأميركيين في الزيارة السابقة، وكان من ضمنها ترشحه لرئاسة الجمهورية، وخصوصاً ان هذا الملف مفتوح داخلياً في ما يطرح من أفكار لتسوية الأزمة بين السلطة والمعارضة، وسيفتح أكثر في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة الفاصلة عن موعد نهاية ولاية الرئيس إميل لحود.