جورج شاهين
كان من المؤمّل أن تحمل الساعات القليلة المقبلة صيغة لحل ما، لو لم تستعر الأجواء من جديد وتتلبد ما بين السرايا الكبيرة وعين التينة، في ضوء ما كشفه الرئيس نبيه بري عن حركة رسائل من السرايا في اتجاه الأمانة العامة للأمم المتحدة، التي من شأنها أن تعمّق التدخل الدولي، لا بل تستدرجه إلى الملفات الداخلية اللبنانية، وهو أمر بات مقلقاً في ضوء الكثير من التجارب الدولية التي غاصت فيها الأمم المتحدة وتوسعت مهماتها فيها على حساب السلطات المحلية، وتجاوزت إلى حد بعيد الخصوصيات الداخلية فيها.
وتعترف أوساط سياسية محايدة بأنه، تزامناً مع المساعي الجارية على المستويين العربي والدولي لتطويق ذيول الأحداث الأخيرة وإرساء صيغة للحل، جاءت الرسائل التي وجّهها رئيس الحكومة إلى الأمم المتحدة، دون مراجعة أحد من القادة اللبنانيين المعنيين، لتلقي بظلالها على الحركة السياسية في البلاد وتوسّع دائرة القلق من ردود الفعل في مجلس الأمن الدولي استناداً الى مضمونها الذي –إن صح ما تسرب عن البعض منها ـــ أقل ما يقال فيه إنه يمثّل تحريضاً على اتخاذ إجراءات يمكن أن تنعكس سلباً على الوضع الداخلي.
وتضيف هذه الأوساط إن حركة الرسائل المعتمدة في الفترة الأخيرة قد تكون هي التي سمحت بالمزيد من التدخلات الدولية في الملفات والتفاصيل الجاري بحثها بعيداً من الأضواء على مستوى الوساطة السعودية ـــ الإيرانية، كذلك المبادرة العربية التي قادها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، والتي أدت أيضاً إلى تعطيل العديد من الاتفاقات المبدئية التي كانت التفاهمات الأوّلية قد شملتها وخصوصاً على مستوى الملفين الشائكين: المحكمة الدولية وحكومة الوحدة الوطنية.
وتقول هذه الأوساط إن الرسالة التي تحدث عنها بري أول من أمس ليست الأولى، وإنّ من بين الرسائل التي وجهها السنيورة إلى مجلس الأمن الدولي واحدة أرسلت قبل شهر تقريباً، بناءً على سؤال الأمانة العامة للمجلس عن الأسباب التي حالت دون إرسال نسختين من النظام الداخلي للمحكمة الخاصة ذات الطابع الدولي والاتفاق المشترك بين لبنان والأمم المتحدة باللغتين الإنكليزية والعربية إلى مجلس الأمن الدولي كما تفرض القوانين في الهيئة الدولية، واقتصار ذلك على اللغة الإنكليزية. وتضمنت الرسالة جواباً يقول باستحالة بت الصيغة النهائية للنظام والاتفاق المشترك في ظل رفض رئيس المجلس النيابي التجاوب مع الحكومة في فتح دورة استثنائية للمجلس لمناقشتهما، مع الإشارة الواضحة إلى «الضغوط التي يتعرض لها بري، مما يمنعه عن القيام بالمهمات الدستورية التي نيطت به ».
وخلت الرسالة من أي إشارة إلى الأسباب الموجبة التي يتمسك بها بري ومنها صلاحيات رئيس الجمهورية في مثل هذه الحالات، أو تلك المتصلة بالأخطاء التي اعترت النص العربي واكتشفها القاضيان رالف رياشي وشكري صادر وتمنيا على وزير العدل شارل رزق عدم توقيعها وإرسالها إلى مجلس الأمن قبل تصحيحها. لكن مشكلة برزت، فقد نشرت في الجريدة الرسمية كما هي بكل أخطائها، وتصحيحها يفرض إعادة درسها في جلسة أخرى للمجلس وإقرارها، الأمر الذي رفضه السنيورة في حينه، وتقرر أن يتم التصحيح في المجلس النيابي عند إقرار الصيغة النهائية متى تم ذلك!. وهو ما اعتبرته هذه الأوساط أمراً خطيراً للغاية، ويمكن النفاذ منه إلى خطوات أخرى قد يلجأ إليها مجلس الأمن لتجاوز المؤسسات الدستورية في لبنان، وعدم الاكتراث للآلية التي حددها الدستور في شأن الاتفاقات الدولية، واحتمال اللجوء إلى الفصل السابع لإقرارها، مع ما يفرض ذلك من وصاية دولية على البلاد، وهي وصاية لا تفرض عادة إلا في حالات فقدان السلطات المحلية لشرعيتها كما هو حاصل، مثلاً، في كوسوفو.
من هنا تقول المصادر نفسها إن الخطورة تكمن في أسلوب آخر يعتمده رئيس الحكومة في مخاطبة المجتمع الدولي من دون ان ينال موافقة شركائه في الحكومة، فكيف بالنسبة الى المعارضة؟، وتذكّر هذه المصادر بمداخلة رزق في إحدى جلسات مجلس الوزراء الأخيرة التي رأى فيها أن تجاهله ومجلس الوزراء ينزع أي شرعية عن مضمون هذه الرسائل.
وختمت المصادر بالقول: «هنا تكمن معارضة بري للرسالة الجديدة في شكلها ومضمونها، اذ إنها اذا تضمنت طلباً مباشراً للتدخل وإقرار المعاهدة وفق مقتضيات البند السابع... فإنها تكون استكمالاً للرسالة السابقة». ومن يدري، فقد تكون هناك رسائل أخرى غير معلنة. فليل بيروت يواكب نهار عمل في نيويورك بسبب فارق الوقت بين العاصمتين، والسرايا تشهد ليلياً اجتماعات مفتوحة لا تحصى، وقلائل يعرفون حقيقة ما يجري هناك.