strong>غسان سعود
عون مقاوم في الضاحية و«هيهات منّا الذل» في أفراح العونيين

عام مر على التفاهم الذي وقع بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» في السادس من شباط 2006. ولا يزال التفاهم صامداً على رغم المطبات الكبيرة التي وقفت في طريقه، وأبرزها التهديدات الغربية للعماد ميشال عون، العدوان الإسرائيلي المدمّر في تموز الماضي، الخطر المحدق بشعبية التيار في المجتمع المسيحي، فضلاً عن الهجوم الشرس على التفاهم من قوى «14 آذار».
التفاهم الذي أثار ردود فعل كثيرة، بدأت قصته مطلع تشرين الأول 1990، عندما قرر العونيون المحاصرون في «شرقيتهم» التوجه إلى المعابر لفكّ الحصار المفروض عليهم من قوى محلية، إقليمية، ودولية. يومها أطلق مسلحو «القوات اللبنانية» النار على المتظاهرين العونيين الذين كانوا يحملون الورود على معبر نهر الموت. أما على معابر الكفاءات وصفير والشّويفات فنجح الأهالي من جانبي خط التماس بالاجتماع، تعانقوا، رقصوا، وبكوا. على أحد معابر الضاحية الجنوبية، يُكمل المنسق العام للتيار بيار رفول: «أهدانا إخوتنا كميّة كبيرة من الأغنام، مساهمة منهم في التخفيف من ضيق الحصار». لكن سرعان ما دخل السوريون، وتبعثر العونيون، ليعودوا، وفقاً للقيادي العوني رمزي كنج، عام 1992 ويبدأوا تنظيم لقاءات صغيرة مع قياديي «حزب الله»، أخذت طابعاً أكثر جديّة مع التحضير لـ«السينودس من أجل لبنان». ولاحقاً استعان التيار والحزب، لتقريب وجهتي نظرهما، بعلاقات شخصية متينة جمعت بين بعض قيادييهما من أيام الجامعة (وخصوصاً القياديين غالب أبو زينب وزياد عبس، قبل أن ينضم اليهما محمود قماطي وجبران باسيل). استغرقت الاجتماعات البعيدة من الأضواء شهوراً، وتخللها بحث معمّق في كل التفاصيل قبل أن تنتهي ــ «لقاء القمة» الشهير في كنيسة مار مخايل ــ الشياح بين السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون ليتوّجا إعلان التفاهم.
حُمّل التفاهم صفات كثيرة، وعُمد بمعمودية النار في عدوان تموز. واستمد قوة خاصة، بحسب باسيل، من كون طرفيه «محملين بتجربتين تاريخيتين فريدتين، ما مكنهما، خلال العدوان الإسرائيلي مثلاً، من تقديم قدرة صمود مذهلة». ويعتبر «أن أبرز ما حققه التفاهم هو بقاؤه قائماً، وخصوصاً أن التعاطي السلبي معه منع كثيرين، في الموالاة والمعارضة، من الانضمام إلى توقيعه».
وأثبت الطرفان، بحسب باسيل، التزامهما التفاهم، والوقوف «وقفات استقلاليّة» بوجه كل الأطراف الخارجيّة. ولاحقاً ترجم «حزب الله» موقفه المبدئي من المشاركة التعددية والديموقراطية التوافقية، «ورغم عدم معاناته أي غبن سياسي من خلال تمثيله في الحكومة والمجلس النيابي، تنازل عن السلطة لإشراك غيره، مقدماً نموذجاً عن التضحية والوفاء والتعاضد مع غيره لاستعادة الحقوق المنتقصة».
في حديثهم عن التفاهم يتوقف العونيون مطولاً عند إيجابية «المنعطف النفسي»، والتحولات الاجتماعية اللافتة لدى قواعد «حزب الله»، وأصغر الأدلة عليها، نقل تلفزيون «المنار» لقداديس مسيحية، وممارسة الفريقين كل طقوسهم الدينية، واهتمام الحزب بشرح «ولاية الفقيه» وتوضيحها. ويكشف باسيل أن الأمور الخلافية بين التيار والحزب لم تُناقش بسبب الهجوم الشرس الذي تعرض له الفريقان، وانهماكهما بالدفاع عن بعضهما، مشيراً إلى أن الالتقاء على «النقاط الجوهرية» يسهل الاتفاق على كل الأمور الأخرى.
نظم الجانبان منذ توقيع التفاهم أكثر من 400 ندوة في مختلف المناطق لشرح التفاهم وتبسيطه لجمهوريهما. ويُسجل الطرفان المفاجأة من تأييد قواعدهما للتفاهم. ويوضح قماطي أن «ما حصل لم يكن يتوقعه أحد، وبلغ مستوى التماهي بين القواعد حداً غير مسبوق بين أي فريقين سياسيين من طائفتين متباينتين». ويشيد قماطي بصدق الفريقين وإخلاصهما والتزامهما بمواقفهما. ويلفت إلى أن «ما هو حاصل بين العونيين وجمهور حزب الله لا تمكن مقارنته بالعلاقة بين أنصار حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي لأسباب كثيرة أولها أن علاقة الثنائي الأخير هي نتيجة فرض خارجي، فيما عنوان علاقة التيار والحزب مصلحة لبنان». ويؤكد باسيل أن الكلام على تشابه محتمل، يكون معقولاً، حين «نرى قواتياً يرفع صورة وليد جنبلاط أو تقدمياً يحمل صورة سمير جعجع». وميزة التفاهم، بحسبه، هي «الصدق، وعدم استعمال الفريقين بعضهما لبعض لمرحلة معينة».
وهكذا، من حضور عوني خجول في تظاهرة العاشر من أيار، إلى جانب «حزب الله» للمرة الأولى، كبرت كرة الثلج، دخل نصر الله إلى منازل العونيين، كما دخل عون إلى منازل الشيعة وقلوبهم. في الضاحية اليوم تنتشر صور العماد عون، وترتفع الأعلام البرتقالية فوق الشرفات، فيما الحديث عن «الجنرال» يدرجه واحداً من أبطال المقاومة. وفي المقابل، ترتفع في أفراح العونيين أناشيد «هيهات منّا الذلّ» و«نصرك هز الدني». في الحدث، مثلاً، التي لم تفارقها المشاكل «المسيحيّة ــ الشيعيّة» الصغيرة طوال 15 سنة، نشهد فجأة، بحسب أحد الحلاقين، تغييراً جذرياً لم يكن أحد يتوقعه. يدافع أهل الحدث المسيحيون عن «حزب الله» بحماسة تصل بهم إلى حد اتهام مستفزيهم بالعمالة. وبات هذا المشهد العوني ــ الشيعي كلاسيكياً، بعد الاحتضان الشعبي العوني لجمهور «حزب الله» وحركة «أمل» خلال الحرب الأخيرة، وبعد التحالفات الطالبية الجامعية، وبعد شهرين من عيش الفريقين في ساحة واحدة.
بالنسبة إلى التيار، ثمة اقتناع عند القيادة بأن «نص التفاهم» أشبه بميثاق وطني جديد. ويؤكد باسيل أن اندفاعة التيار نحو «ميثاق التفاهم» لإرساء السلام بين اللبنانيين، تشبه كثيراً اندفاعته اليوم نحو «ميثاق الشرف» بين المسيحيين. فيما يرى قماطي أن التفاهم تحول إلى ما يشبه «برنامج حكم» المعارضة، بعدما تبنى معظم أفرقائها، بصورة غير رسمية، مضمون الوثيقة. والجديد المنتظر إعلانه قريباً، تفاهم بين التيار والحزب على «قانون انتخابي» جديد. يؤكد، بحسب الطرفين، قدرتهما على المضي قدماً، نحو «لبنان قوي». يقرر أهله بأنفسهم ماذا يريدون.
يقول العونيون، بعد سنة على التفاهم، بعد «كل التشهير بالتيار، والحملة المركزة للقول إنه خسر غالبية قواعده، ازداد التيار قوة، ونجح في لبننة مفاهيم كثيرة». والأهم بالنسبة للعونيين أن التيار «المقطوع من شجرة» من حيث علاقاته الإقليمية والدولية، جنّب اللبنانيين، برفضه التعليمات الأجنبية، حرباً أهلية وانقساماً طائفياً قاتلاً، وهذا بحسبهم «سر حفاظ التيار على قوته الشعبية».
بعد سنة على التفاهم، لا يزال بحسب موقعيه، «تفاهماً»، وإن كان، في رأي جمهورهما وخصومهما معاً، بات على أرض الواقع، أكثر من تحالف.