ابراهيم عوض
جعبة بري حبلى بالمفاجآت وما كشفه أخيراً «غيض من فيض»


يوم أخذت الأكثرية تروّج لاحتمال عقد جلسة نيابية برئاسة نائب رئيس البرلمان فريد مكاري لإقرار مشروع المحكمة الدولية، سئل الرئيس نبيه بري في مجلس خاص عما سيفعله، عندها أجاب مبتسماً:« لحمي لا يؤكل بسهولة، ولدي مفاجآت كثيرة ستبهرهم فما عليهم إلا أن يجربوا».
وفي الاتصال الهاتفي الذي أجراه مكاري ببري لتهنئته بعيد الأضحى الماضي نصح الأخير نائبه بألا يكثر من التنظير الدستوري وقال له بأنه سيكتفي في الوقت الحاضر بهذا القدر من الكلام.
مساء السبت الماضي، وفي معرض رده على رئيس «كتلة المستقبل» النيابية سعد الحريري وكذلك على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة فاجأ بري الأوساط السياسية بكشفه إرسال السنيورة رسائل إلى الأمم المتحدة وصفها بـ«الملفقة» آخرها قبل أيام تمهد للمطالبة بإنشاء المحكمة تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وإذا كان الرئيس بري قد اعتمد أسلوب «ما قل ودل» في تعاطيه مع الوقائع الثلاث، فإن وقع تطرقه إلى الرسالة المذكورة نزل كالصاعقة على دوائر السرايا الحكومية التي راحت تسأل عن كيفية وصولها إلى يدي رئيس البرلمان ليتبين أن جعبة بري حبلى بالروايات والمعلومات والملفات التي تجعل رسالة السنيورة إلى الأمم المتحدة نقطة في بحر مما في حوزته، وخصوصاً ما يعود إلى مرحلة العدوان الإسرائيلي على لبنان وما رافقها من محطات وجولات تفاوضية مع المبعوثين الدوليين مارس خلالها أقصى درجات ضبط النفس جراء التعاطي الملتبس الذي ظهر من الجانب اللبناني في أكثر من محطة. وثمة من يروي أن في إحدى مراحل البحث في مسألة دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب وبعد اتصالات أجراها النائب سعد الحريري مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك سمع رئيس البرلمان يصرخ ذات ليلة غاضباً: «لقد خدعنا الحريري». كما أن أوساطاً متابعة تذكّر بإطلاقه بعض الإشارات المعبرة حينذاك منها حديثه عن لقائه الأول مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بعد أيام على بدء العدوان واستغرابه لعدم إثارتها موضوع أسر الجنديين الإسرائيليين لا من قريب ولا من بعيد، في معرض رده غير المباشر يومها على من كان يتهم «حزب الله» بالتسبب بالحرب بفعل أسره لهذين الجنديين.
وكان وزير الخارجية المستقيل فوزي صلوخ قد أورد في تصريح له قبل أيام تفاصيل جديدة تتعلق بهذا الموضوع، إذ قال إنه «خلال الزيارة التي قامت بها رايس إلى لبنان على رأس وفد من مساعديها ضم كلاً من اليوت ابرامز وديفيد ولش وآخرين تبين له خلال اجتماع عقد في السرايا شارك فيه إلى جانب الرئيس السنيورة أن الوفد الأميركي ناقش كل الملفات المتعلقة بالحرب، ما عدا ملف الجنديين الإسرائيليين الأسيرين، الأمر الذي حداه إلى مخاطبة أعضاء الوفد قائلاً ومتسائلاً:«لقد تناولت المحادثات ملفات كثيرة ولكن الملف الرئيسي لم يشر إليه وهو الأسيران الإسرائيليان اللذان تدعي إسرائيل أن عدوانها على لبنان كان بسببهما».
وقد علق عضو الوفد اليوت ابرامز وهو مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي وأحد صقور المحافظين الجدد على هذا التساؤل بقوله:«إنهم (الإسرائيليين) يريدون حالياً التأكد من صحتهما ليس إلا، على أن يبحث ملفهما في ما بعد».
وبالعودة إلى الرسالة التي بعث بها السنيورة إلى نيويورك يشكو فيها بري لتعطيله المجلس النيابي والحؤول دون إقرار مشروع المحكمة الدولية، أوضح صلوخ لـ«الأخبار» أن هذه الرسالة «لم تمر على وزارة الخارجية كما تقتضي الأصول التي تنوط بهذه الوزارة وحدها مسؤولية مراسلة الدوائر والمنظمات والمؤسسات الرسمية، وبالتالي فإن ما حصل هو «عملية تهريب» منظمة».
واستغرب صلوخ إقدام السنيورة على التلويح بإقرار مشروع المحكمة وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لافتاً إلى «أن العمل بهذا البند يتطلب شروطاً، منها الإقرار بأن البلد المعني بات مفتتاً وفي حالة حرب أهلية أطاحت معها المؤسسات الحكومية والتشريعية والقضائية وغيرها». وقال إن الرئيس السنيورة «بدا من خلال ما أقدم عليه كأنه يناشد الأمم المتحدة أن تتحرك وتتخذ قراراً يجيز لها التدخل للسيطرة على الوضع في لبنان».
وفي هذا الإطار أكد صلوخ في تصريح له أمس«أن أخطر ما بلغه لبنان في هذا الزمن الرديء هو أن يشكو لبنانيون لبنانيين آخرين أمام الأمم المتحدة. فالأمم المتحدة مختصة بتلقي شكاوى الدول على بعضها، فهل أصبحنا دولاً متعددة في دولة لبنان الواحد؟»
وأضاف:«إن إقحام الأمم المتحدة في عمل المؤسسات يحوّل من يقوم بذلك إلى مجرد فريق بين أفرقاء، ويصور لبنان ساحة لا سلطة فيها ولا دستور ولا أصول، وبالتالي يستكمل إزالة صفة السلطة التي تتكلم باسم اللبنانيين عن نفسه، ويبرر لأصحاب الأغراض أن يتدخلوا في شؤون لبنان الداخلية، كأننا منقوصو السيادة والأهلية السياسية، كما حصل مع أحد وزراء الخارجية الأوروبيين الذي رفض إعطاء المعارضة الثلث الضامن في الحكومة ظناً منه ربما أن لبنان هو إحدى مستعمرات ما وراء البحار». وختم صلوخ تصريحه بالقول مع الشاعر: «ومن يجعل الضرغام للصيد بازه تصّيده الضرغام في ما تصيد».