ثائر غندور
يوم عادي وطبيعي. هكذا يمكن وصف اليوم الأول من الدراسة في الجامعة العربية. وحدهم الصحافيون وعناصر الأمن بأعدادهم الكبيرة، أوحوا أن الوضع مختلف
أمّا الطلاب، فحاولوا الاستفسار عمّا حصل في «الخميس الأسود» وتخوّفوا من تكراره


هنا دارت أوّل «بروفة» لحرب الشوارع بعد اتفاق الطائف. عند «درج الجامعة العربية»، كان الرصاص «يلعلع» منذ عشرة أيام. هذا هو موقف السيارات الذي ضحّى بأغلب سياراته في سبيل تنفيس احتقان فقراء بيروت، وما زالت الضحايا تشهد على الفلتان الأمني. وها هو أيضاً الشارع الضيق الذي يفصل مبنى «الهندسة» في الجامعة العربية عن الحرم الأساسي. في هذه الأماكن، كما في بقية الشوارع المحيطة بالجامعة العربية، انتشر العشرات من عناصر الجيش اللبناني وفوج التدخل ومكافحة الشغب في قوى الأمن الداخلي لفرض الهدوء، تحسّباً لأي طارئ. فبدت المنطقة أشبه بثكنة عسكرية. وخضع الطلاب والطالبات لتفتيش دقيق، تعوّد عليه طلاب الجامعة، لكنه جديد بالنسبة إلى طالباتها اللواتي فُتّشن من قبل «نساء الأمن»، وتعرّضن لـ«التلطيش» من عناصر الأمن.
ومُنع دخول أي طالب إلى الحرم الجامعي لا يحمل بطاقة عام 2007. وازداد عديد عناصر الأمن من حوالى ثلاثين إلى أكثر من خمسين عنصراً. فقد بدأ الجهازان الإداري والأمني في الجامعة العربية عملهما من السادسة صباحاً لتوفير أقصى درجات الأمان لطلابهم وتمرير اليوم الدراسي الأول بعد أحداث «الخميس الأسود» بأفضل الطرق. فوُزّع بيان لرئيس الجامعة الدكتور عمرو جلال العدوي دعا فيه الطلاب إلى «احترام أنظمة الجامعة وقوانينها». وأضاف البيان أن الجامعة «تحترم كل القوى السياسية القائمة في لبنان وتوجّهاتها، لكن هذه التوجهات تتوقف خارج أسوار الجامعة، وهي لن تسمح باستخدام ساحتها الداخلية في أي صراع لبناني». أمّا الطلاب، فبدا عليهم الحذر الشديد والخوف ممّا يمكن أن يحمله المستقبل «لأنّه هدوء ما قبل العاصفة»، بحسب محيي الدين، الطالب في الهندسة الميكانيكية. فمحيي الدين الذي رفض ذكر اسم عائلته، «لأن اسمي الأول يدلّ عليّ» أشار إلى أن الطلاب تعوّدوا أن يفكّوا أي إشكال عندما يحصل، «أما اليوم فالجميع مستعدّ لأن يشارك في الإشكال لا أن يفضّه». نظرة محيي الدين المتشائمة لا تنطبق على بقية الطلاب، على رغم أن العديد منهم أشار إلى الحذر الشديد وخصوصاً عند أهاليهم الذين حاولوا ثنيهم عن الذهاب إلى الجامعة، «لكن الحمد لله إنو رجعنا» يقول أحمد سرحان ويضيف: «سيطر علينا الملل خلال عشرة أيام من المكوث في المنزل. ببساطة اشتقنا إلى أصدقائنا». بدوره، لفت محمد إلى أن الطلاب انقسموا إلى جماعات حسب الانتماءات السياسية.
في ملعب الجامعة، كما في الكافيتيريا، دار حديث بين الطلاب غلب عليه الكلام على ما حصل نهار الخميس والتحضير للامتحانات، وخصوصاً أن عدداً منهم يخضعون للامتحانات. لكن استعراض وقائع «الخميس الأسود» بقي في إطاره الكلامي «وكل طرف حمّل الآخر مسؤولية ما حصل»، يقول بهاء.
بدورها، منعت إدارة الجامعة الصحافيين من التحدث إلى الطلاب في الملعب، ورافق رجال الأمن كل الصحافيين والمصورين في جولتهم داخل حرم الجامعة. واكتظّت الطبقة الخامسة (مكاتب الإدارة) بعشرات الصحافيين من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية. وتفرّغ رئيس الجامعة الدكتور العدوي للحديث للإعلاميين طوال النهار. وأشار العدوي إلى عدم مسؤولية الجامعة وطلابها عن الاشتباكات التي حصلت، محمّلاً القوى السياسية المسؤولية، «والجامعة تنتظر نتائج التحقيق الذي تجريه القوى الأمنية». واعتبر أن أحداث العنف على رغم مأساويتها «مفيدة لأنها دفعت الجميع إلى إعادة النظر في حساباته». أما في موضوع التعويض على أصحاب السيارات، فلفت إلى عدم مسؤولية الجامعة عن الموضوع، وحتى الدولة اللبنانية، متسائلاً: «كيف يمكن الدولة أن تكون مسؤولة عن عنف لم تقم به، لكن على القوى السياسية تحمّل مسؤوليتها».
لم يختلف المشهد داخل القاعات. عاد الطلاب إلى مقاعدهم، والمرضى إلى عيادات طب الأسنان، لكن ليس بالعدد الطبيعي، وتحديداً في كلية التجارة «التي غاب معظم طلابها» تقول تغريد، كما في كلية الإعلام حيث حضر أقل من نصف طلاب السنة الثانية صحافة، حسب الطالبة نهاد التي أشارت إلى أن الأساتذة ركّزوا على نبذ العنف والتطرف الطائفي والمذهبي.
لم يحدث أي إشكال اليوم. أصلاً، لا تحدث الإشكالات إلا حين يكون الجميع غافلا.ً..