أنطوان سعد
لاحظت أوساط مراقبة غياب النائب بهيج طبارة عن اجتماعات كتلة نواب تيار «المستقبل»، وتبين أنه يمتنع عن حضور جلسات الكتلة منذ مطلع أيلول من العام الماضي لاختلاف في وجهات النظر وفي طريقة مقاربة الملفات السياسية الدقيقة المطروحة على الساحة اللبنانية. وقد اختار النائب طبارة أن يبتعد بهدوء عن الأضواءk مفضلاً نوعاً من العزلة على المشاركة في ما لا يستجيب لمفهومه للسياسة الوطنية، وعلى الاصطدام مع تيار «المستقبل» الذي أسسه صديقه الرئيس الراحل رفيق الحريري. وهو يعتبر أن الابتعاد عن الواجهة السياسية نتيجة لشعوره بالمسؤولية حيال ما يجري في البلد المنقسم بطريقة خطيرة والذي يبدو كأنه على فوهة بركان يمكن أن ينفجر في أية لحظة.
بدأت علامات الاستفهام عند نائب بيروت الذي لعب دوراً مهماً في وزارة العدل في معظم الوزارات التي شكلها الرئيس الحريري على طريقة مقاربة الأحداث والتصرف حيالها ابتداء من مطلع عام 2006. حينذاك امتعض من طريقة تعاطي قوى 14 آذار، ومن ضمنها تيار «المستقبل»، مع مسألة تنحية رئيس الجمهورية العماد إميل لحود من منصبه وتحديد مهلة شهر لذهابه من بعبدا من دون الإحاطة بكل جوانب المسألة، وبخاصة موقف البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير منها، والوسائل الدستورية الواجب احترامها لبلوغ الهدف المبتغى. ففي اعتقاده أنه من الخطأ في السياسة إعلان مواقف وأهداف ومواعيد في غياب العناصر التي تضمن تحقيقها لأن القصور سيرتد سلباً على الفريق السياسي نفسه وعلى البلاد برمتها. وقد عبّر الوزير السابق ضمن الدائرة التي يعمل فيها عن امتعاضه من الأداء المتسرع وغير المدروس، لكنه واظب على حضور اجتماعات كتلة «المستقبل».
وبعد حرب تموز الماضي شعر طبارة بأن هناك خللاً في تصرف فريق الأكثرية مع «حزب الله» الذي أقر بأنه أخطأ على مستوى تقدير حجم رد الفعل الإسرائيلي على خطف الجنديين الإسرائيليين، ودفع ثمناً باهظاً على مستوى الموت والدمار والنزوح في المناطق المحسوبة عليه وعلى حركة «أمل». وقد قَبِل الحزب بأمور لم يكن أحد، برأيه، يتصور أنه سيقبل بها يوماً، مثل إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب ونشر قوات دولية فيه، والانكفاء إلى ما وراء الليطاني. واعتبر نائب بيروت في حينه أنه كان على قوى 14 آذار أن تتجاوب مع «حزب الله» وتحاول احتضانه في فترة ضعفه، والتفاهم معه على طريقة ترتيب الوضع الداخلي اللبناني بالحسنى، لا أن تعمد إلى استغلال الوضع لنزع سلاحه فوراً.
لذلك اعترض على البيان العنيف الذي صدر عن قوى 14 آذار غداة انتهاء حرب تموز، وفضل مذّاك الابتعاد عن اجتماعات كتلة «المستقبل» وقوى الأكثرية، ولكن من غير أن ترشح عنه مواقف اعتراضية على النهج الذي يتبعه الفريق الممسك بزمام اللعبة السياسية في قوى الأكثرية وبخاصة رئيس التيار النائب سعد الحريري. إذ أن طبارة يعتبر أن لكل طرف في قوى 14آذار أجندته الخاصة وأسلوبه الخاص، وحرية في اعتماد المقاربة التي يشاء، لذلك تتركز اعتراضاته على ما يجري ضمن الكتلة التي جرى انتخابه على لائحتها، معتبراً أن عليها ألا تنسى مسؤولياتها الوطنية كونها حظيت بنسبة تأييد كبيرة من الناخبين اللبنانيين، وأن تعالج القضايا الشائكة القائمة حالياً في لبنان بجدية موازية لدقة الوضع.
كما لنائب بيروت وجهة نظر مختلفة مع قوى 14 آذار حول طريقة تعاطي فريق الأكثرية مع ملف المحكمة ذات الطابع الدولي، معتبراً أن من الواجب تأمين حد أدنى من التوافق عليه بين اللبنانيين كي تأخذ المحكمة طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع، وبخاصة لدى مقاربة مسائل عملية مثل اختيار البلد الذي ستعمل فيه والقضاة اللبنانيين الواجب تعيينهم فيها. وفي اعتقاده أن من الضروري الدخول في حوار مع الأطراف اللبنانية التي لديها هواجس حيال المحكمة لمعرفة ما تمكن معالجته وما يجب إعادة النظر فيه كي تكون موضع إجماع بين اللبنانيين لأن الانقسام حولها إخفاق للأكثرية بالدرجة الأولى.
ويعتبر طبارة أن على القوى السياسية في الفريق الحاكم أن تجد الوسيلة الفضلى للتعاطي مع «حزب الله» وحركة «أمل»، لا أن تحاول تجاوزهما والتصرف كأنهما غير موجودين طالما أن لا شك في أنهما يمثلان الطائفة الشيعية.