حاوره: فاتن الحاج.ثائر غندور
يربط رئيس الجامعة اللبنانية زهير شكر حلّ قضايا الجامعة بالهدوء السياسي. فتعيين العمداء وتأليف مجلس الجامعة، واستئناف الحياة السياسية الطلابية، وبناء المجمّعات الجامعية في المحافظات، وإقرار قانون جديد للجامعة، تشترط مشهداً مختلفاً عن «الخميس الأسود». لكنّ «الرئيس» بدا واثقاً من طلاب الجامعة، ومتوجّساً من «العناصر غير المنضبطة»

  • ما هو تقويمكم للأجواء في كليات الجامعة اللبنانية بعد عودة الطلاب إليها؟
    ــ توجهت الاثنين إلى فروع الجامعة، وأنا في حالة تفاؤلية تستند إلى شعوري بأنه لا أحد من القوى السياسية الأساسية يريد تعطيل الجامعة اللبنانية، وإيماني بحرص طلاب الجامعة المميزين غير الغوغائيين على تحصيل العلم والمعرفة. أما تمسكهم بالعمل السياسي فهذا حقهم الطبيعي شرط أن تكون حدود هذا العمل الكلمة وأن لا يصل التعاطي في السياسة إلى حد التشابك في الأيدي أو استخدام التراشق بالعصي والحجارة والسكاكين. كما كنت قد التقيت ممثلين عن الفرقاء الذين أكدوا رفع الغطاء عن أي شخص يرتكب أي مخالفة في الجامعة. ثم إننا شددنا في لقاءاتنا مع العمداء والمدراء في المجمع الجامعي في الحدث والفروع الثانية على أهمية التواصل مع الطلاب، ووجود المديرين في الكليات واستيعاب أي حادث فردي صغير منذ البداية تجنباً لاستغلاله. ودعونا الطلّاب إلى قبول بعضهم البعض لأنّ الشراكة في الوطن تفترض الشراكة في الجامعة التي لا يحق لأحد أن يحتكرها. وأكدنا أنّ التدابير الأخيرة مؤقتة وإلغاؤها يفترض توافر المناخ الديموقراطي الذي يسمح لأي مفكر بتقديم محاضرة في أي فرع ويسمعه أي جمهور. فالجامعة ليست مدرسة للتثقيف السياسي للأحزاب، وإن كان لا يجوز أن نعزلها عن الحياة السياسية.

  • هل نستطيع أن نعد ذلك تراجعاً عن قرارات سابقة تتعلق بمنع النشاط السياسي وتأجيل الانتخابات الطالبية في الجامعة؟
    ــ ما أقوله ليس تراجعاً عن القرار الذي نتج من الجو السياسي المشحون في البلد. ونحن إذا كنا اتخذنا قراراً بمنع المهرجانات السياسية في الجامعة تجنباً لأي احتكاك، لا يعني ذلك أننا نستطيع أن نلغيها ولا نريد أن نلغيها، فنحن لسنا جامعة خاصة لنعيّن لجاناً طالبية، بل أكثر من ذلك ممنوع في الجامعة اللبنانية إلغاء العمل السياسي وكل ما نحاول أن نفعله هو السعي وراء توفير المناخ الإيجابي لإجراء الانتخابات الطالبية.

  • لكنّ المشاكل لا تنتظر الانتخابات الطالبية فالتوتر السياسي قائم وقد ينفجر في أي لحظة
    ــ صحيح، ولكن إذا كان هناك إمكان لتجنب المشاكل، فهل نترك الأمور كما تبتغيها الأطراف متذرعين بالتوتر السياسي في البلد ؟

  • معنى ذلك أنكم ترون أن تأجيل الانتخابات كان وسيلة ناجعة لتخفيف حدة التوتر في كليات الجامعة؟
    ــ طبعاً القرار لا يلغي التوتر ولكنني أرى أنّ من واجبي أن أتخذ كل تدبير من شأنه أن يخفف منه وقد أبلغت الفرقاء أنّ الانتخابات ستجري بمجرد مرور الأيام القليلة المقبلة على خير. ثم لا بأس بتأجيل الانتخابات ما دامت لن تقرر الأكثرية التي ستأتي برئيس الجمهورية. كما أنّ غياب الاتحاد الوطني للطلبة يجعل في الواقع مجالس طلاب الفروع تقدم الخدمات لتوسيع جمهورها لا أكثر. ومن «يكمش» فرعاً يتولى طباعة المحاضرات ويتابع التسجيل وليس خطأً أن يتنافسوا في هذا المجال، ولكن المطلوب التهدئة وتجنب حدوث أي مشكلة. أما أن تقول لي إنني مطمئن تماماً، أقول لا، إذ ليس هناك معلومات أو تعهدات خطية من أحد، فلا رئيس الحكومة أو وزير التربية أو قادة الأجهزة الأمنية أو رؤوساء الأحزاب يأخذون على عاتقهم مسؤولية ما يجري. ولكن هذا لا يعني أن نبقي الجامعة مقفلة، لذا أخذنا قراراً بالعودة بعدما تولد مناخ إيجابي في الأيام القليلة الماضية. وأكرر أنّ التأجيل كان ناتجاً من أحداث الطريق الجديدة التي لا مثيل لها في تاريخ لبنان. الحادث كان من الخطورة بمكان بحيث إنّ ارتداداته كان يمكن أن تكون كبيرة.

  • هل كانت هناك معطيات لارتدادات في الجامعة اللبنانية دفعتكم لاتخاذ قرار التأجيل؟
    ــ نعم سمعنا بالتواتر عبارات مثل «بكرا منفرجيهم عملولنا المشكل بالطريق الجديدة سنرد عليهم بالحدث»، كما أنّ الوضع في الفروع الثانية لم يكن مطمئناً بعد الذي حصل الثلاثاء بين التيار الوطني الحر والقوات. ونحن لا نخاف من ردة فعل التنظيمات والأحزاب المعنية بالاستقرار تماماً كما نحن معنيون، بل من ردات فعل أشخاص تربطهم علاقات قرابة وصداقة بالضحايا.

  • ماذا عن اتهام أهل الجامعة لكم بالتفرد في اتخاذ القرارات الأخيرة، وتصنيفكم ضمن فئة سياسية معينة؟
    ــ كانت لدي معلومات عن أن هناك سلاحاً يدخل إلى الجامعة اللبنانية، وأنا المسؤول عن أمن الموظفين والأساتذة والطلاب. ثم إنّ هذه الحالة تتطلب قرارات سريعة. وكنت قد اتفقت مع الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية في بداية العام الجامعي على التنسيق في الأمور الأكاديمية المتصلة بتأمين الموازنة ووضع الخطط لحل قضايا الجامعة من تطبيق قانون التفرغ إلى المباني الجامعية وتعديل القوانين... لكنّ الظروف لعبت ضدنا، ويتعذر أن أرجع إلى الهيئة في الأمور التفصيلية اليومية. أما العلاقة مع الهيئة فممتازة وهناك تنسيق دائم مع رئيسها. أما بالنسبة إلى الحديث عن فئوية القرارات، فأنا لا أرد على أي تقويم أو تصنيف لي، ومن موقعي رئيساً لجامعة أكون على مسافة واحدة من الجميع ولا يؤثر موقفي السياسي على عملي داخل الجامعة.

  • سمعنا أن هناك وعداً من مجلس الوزراء لرئيس الجامعة بإنجاز قضية العمداء، فمتى سيتم التعيين؟
    ــ تعيين العمداء ليس وارداً في ظل الخلاف بين القوى السياسية على دستورية الحكومة وقبل استقرار الأمور. أما تعيين المدراء فكنت قد ربطته بتعيين العمداء لأنني أردت أن يكون العميد مقتنعاً بالمدير لتنجح خطة العمل، لذا أرجأنا التعيينات أكثر من مرة. ولكن لم أعد أستطيع متابعة الأمور منفرداً، لذا أعزم على إصدار التعيينات في أقرب وقت ممكن. فالمدير الأصيل يملك اندفاعة أكثر من المدير بالتكليف ويستطيع أن يضع خطة عمل.

  • هل تم التوافق السياسي على المدراء؟
    ــ سأعيّن مدراء انطلاقاً من سيرتهم الذاتية والأكاديمية وقد يكون هؤلاء منتمين سياسياً أو غير منتمين، وهذا حق كل أستاذ. ولكن لن تكون هناك كوتا للأحزاب في التعيينات، فقد طلبت من القوى السياسية والمدراء والعمداء ترشيح الأسماء، فكان جميع المرشحين ذوي كفاءة أكاديمية. وسأختار الأكفأ وعندها يمكن أن تقوِّموا. وقد باتت التعيينات شبه منتهية.

  • بالانتقال إلى الشق الأكاديمي، كيف سيعوِّض الطلاب ما فاتهم من محاضرات؟
    ــ بدايةً، أسهم العدوان الإسرائيلي في تأخير انطلاقة العام الجامعي، ثم أتت العطلة القسرية، ما سيضطرنا إلى تكثيف الدروس بحدود معقولة مع إمكان تدريس ساعات إضافية يوم السبت، إضافة إلى إمكان اختصار عطلة الفصح إذا كانت متصلة وتمديد العام الجامعي حتى منتصف آب. وبالتالي سنحرص، في كل هذه الإجراءات، على عدم تضييع أي شيء على الطلاب. وقد أبدى جميع العمداء والمدراء والأساتذة استعدادهم للتعويض على الطلاب الذين نعتزّ بطلابنا بمستواهم الأكاديمي.

  • ما هو تأثير اعتماد موازنة الاثني عشرية على الجامعة اللبنانية؟
    ــ تكمن مشكلة موازنة الاثني عشرية بشكل خاص في التجهيزات التي تحتاج إلى مناقصات وتعتبر الركن الأساسي في التعليم والبحث العلمي، ما يؤثر في حاجات الطلاب والأساتذة لجهة المواد المخبرية. ولا مشكلة في استمرار اعتماد الموازنة في الرواتب والمطبوعات والقرطاسية.

  • تخسر الجامعة سنوياً أساتذة يحالون على التقاعد من دون إدخال أساتذة جدد. أين أصبحت خطتكم لتفريغ الأساتذة؟
    ــ سيخصص جزء من احتياط الموازنة لتفريغ حوالى 150 أستاذاً، وهي خطة ستوفر تجديد الدم وإدخال أساتذة نشيطين ومهيئين أكثر للبحث العلمي لكونهم يواكبون التكنولوجيا الحديثة، والأولوية للخريجين الحاصلين على منح. وكنا قد رصدنا مبالغ للبحث العلمي والمنح للمتفوقين وللكتب والمكتبة الإلكترونية التي ستعمم هذه السنة في كل فروع الجامعة عبر الاشتراك بكل الدوريات العلمية التي تغطي ميادين العلوم الإنسانية والبحثية، و«تكلّف» بين 300 و400 ألف دولار سنوياً.

  • وماذا عن تطبيق قانون التفرغ؟
    ــ لم أذكّر هذا العام بالتعاميم ما دمنا لا نستطيع أن نطبقها في ظل الحياة الضاغطة. ونحن نعد أننا سنفتح الملف كاملاً، لأن القانون الذي ينظم التفرغ والتدرج والترقية في الجامعة يحتاج إلى تعديل جذري. القانون الحالي يجعل الأستاذ الكسول أكثر كسلاً، باعتبار أنه سيتدرج كل سنتين، بينما الأستاذ المنتج له دوافعه الخاصة. كما أننا بصدد التحضير لآليات جديدة لتقويم وترفيع وإيجاد حوافز للبحث العلمي والتجديد لدى الأستاذ الجامعي. وينبغي الربط بين التدرج الوظيفي المادي والتدرج العلمي، وهو ليس ربطاً مطلقاً كما هو في جامعات العالم الراقية والحديثة. هناك أفكار تحتاج إلى قوانين تصدر عن المجلس النيابي، إضافة إلى إيجاد ثلاث سلاسل بدلاً من سلسلة واحدة. وهكذا ينتقل الأستاذ من سلسلة إلى أخرى بعد تقويمه من لجنة. هناك سلة لتقويم الأستاذ ترتكز على نتاجه وحضوره للمؤتمرات، ما يعني ربط الراتب بالتدرج العلمي، ولا أعتقد أن أحداً يعارض هذه الفكرة.

  • ماذا عن النقص في عدد الموظفين؟
    ــ ننتظر الظرف المناسب لإجراء مباراة محصورة بغية ملء المراكز الشاغرة، ومن ثم مباراة مفتوحة لتجديد الدم في الجامعة. وقد عولجت المسألة في السنوات السابقة عن طريق الاستعانة بالمدربين والمحاضرين في أعمال إدارية لسد الحاجة، لكننا لم نعتمد ذلك هذا العام، بل اتفقت مع وزير التربية والتعليم العالي على استصدار النصوص لتشريع وضع أولئك الموظفين.

  • ماذا عن ورقة «رؤية للنقاش» وملف الفروع الثانية؟
    ــ أعددت بنفسي الورقة التي تحمل رؤيتي حول الجامعة التي يجب أن تكون على مقربة من جميع الناس. بالنسبة إليّ، يشكّل مجمّع رفيق الحريري صرحاً يجب أن يُستكمل بكليتي «الآداب والعلوم الإنسانية» و«السياحة والفنادق» ومعهد العلوم الاجتماعية ونحتاج إلى مجمّعات في المحافظات كافة. صحيح أن منطقتي الحدث وجبيل تقعان في جبل لبنان لكنهما تبعدان عن بعضهما مئة كيلومتر. وبالمنطق الوطني لا يجوز أن نترك أولادنا في منطقتي كسروان وجبيل للجامعات الخاصة. لكنني أرفض أن يستكمل بناء مجمّع الفنار لأنه يضاعف الأعباء ويبعثر الجهود ويعوق الاندماج الوطني، انطلاقاً من قناعتي باللامركزية والإنماء التربوي المتوازن. لكن الدراسات العليا والكلّيات الطبية ستبقى في بيروت وموحّدة بين الفروع الأولى والثانية.

  • ما هو تصوركم للمرحلة المقبلة في الجامعة اللبنانية؟
    ــ لا نستطيع انتظار استئناف الحياة في المؤسسات الدستورية وتعيين العمداء، لذا سننجز سريعاً تعيينات المدراء لتفعيل العمل في الجامعة. وكان مجلس الوزراء قد أصدر قرارين هامين: يقضي الأول بتحويل Filière (كلية الحقوق باللغة الفرنسية) إلى فرع، وهذا مطلب الجامعات الفرنسية، والثاني يتعلق بإنشاء ثلاث مدارس دكتوراه (écoles doctorales) تتوحد من خلالها الدراسات العليا في «كليات الآداب والعلوم الإنسانية»، و«الحقوق والعلوم السياسية وإدارة الأعمال»، و«العلوم الصحية والعلوم التجريبية»، في إطار نظام الـ LMD. كما ستصدر كل مدرسة مجلتها العلمية المحكّمة بالتعاون مع جامعات أوروبية وجامعات في شمال أفريقيا.



    يعتدّ رئيس الجامعة اللبنانية زهير شكر بانتساب ابنه إلى كلية الطب في الجامعة، وهو الذي تخرّج متفوقاً من كلية الحقوق والعلوم السياسية عام 1972 وعاد إليها أستاذاً عام 1979. تدرّج في الجامعة من مدير إلى عميد فرئيس. يحاول أن يترك بصماته في تاريخ الجامعة عبر قرارات جذرية تبدو للبعض «ديكتاتوريةً»