فداء عيتاني
يقترب موعد الذكرى السنوية الثانية لاغتيال
الرئيس رفيق الحريري. تستعدّ قواعد تيار المستقبل لإحياء المناسبة، وسط قناعة بأنّ الاحتفال سيمرّ بهدوء. إلا أنّ ما حصل في الطريق الجديدة يوم «الخميس الأسود» لا يغيب عن المشهد، ولـ«المستقبل» روايته الخاصّة لما حدث في ذاك اليوم


يصرخ سعد الحريري في هاتفه الخلوي طالباً إنهاء الإشكال الواقع في الجامعة العربية، يوم الخميس 25 كانون الثاني. فيأتيه الجواب بأنّ المشكلة داخل الجامعة العربيّة قد انتهت، غير أنّها انفجرت خارج أسوار الجامعة، ولم تتوقف إلا بعد أن سالت الدماء.
يروي القادة في تيار المستقبل هذه الملاحظة للقول بأنّ ما حصل كان مخطّطاً له، وليؤكدوا أنّ من افتعل المشكلة داخل الجامعة هم من مناصري حزب الله، وأنّ النفوس المحتقنة تكفّلت بالبقية الباقية، وأنّ المشكلة بين الطلاب داخل الجامعة انحسرت سريعاً وهي لم توقع اي اصابة، لا قتلى ولا جرحى.
يبشّر سعد الحريري من يجالسهم بأنّ هناك آمالاً متوافرة اليوم للابتعاد عن «الحرب الأهلية»، الكلمة الأكثر إخافة لقادة في تيار المستقبل يرون أن دورهم ينتهي في حال وقوع العنف والشر في البلاد. الحريري الشاب يقول ان تفادي الأسوأ ممكن، وإن كان القادة من حوله يسألون بخشية كل من يجالسونه «ما الذي يقف اليوم بيننا وبين وقوع الحربويبدي المستقبليون أسفاً خاصاً لما وصلت اليه العلاقة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وإن كانوا يعرفون دائماً أن ما يحصل اليوم ممكن في اية لحظة. لكنّ تمسكهم بالأمل دفعهم الى الرهان على رئيس المجلس النيابي ومغازلته طوال الوقت. وهم يقولون إن طلب تدخل مجلس الامن عبر البند السابع سمعه اكثر من قائد في التيار من رئيس المجلس، وهو ما ألمح اليه بري إلى نائبه فريد مكاري، اضافة الى غيره، عبر القول باللجوء الى المساعدة الدولية واخراج لبنان واخراجه هو شخصياً من إحراج المحكمة الدولية، وهي الاشارة التي دفعت بالرسائل التي وقعها فؤاد السنيورة والموجهة الى الامين العام للامم المتحدة.
وقبل الحرب وقبل الحديث عن ضرب ايران وتفتيت المنطقة، وبعد تشييع شهيدين للمستقبل في الاحداث الاخيرة، يرتاح المستقبليون لمناخ الهدوء الذي توافر، كما يعتقدون، بفعل العاملين الداخلي والاقليمي، حيث لا مصلحة لأحد بتوتير الشارع خلال الاحتفالات بذكرى اغتيال الحريري. كما أن عدداً من الدول العربية المعنية بالملف اللبناني تدخل لإفساح المجال أمام فترة من السكينة على مشارف ذكرى الاغتيال.
تحضيرات للاحتفال
واليوم يستعدّ تيّار المستقبل للاحتفال بذكرى اغتيال رفيق الحريري. ويمكن ملاحظة كثافة العمل داخل مراكز تيار المستقبل: الأعلام التي يتم طلبها وتوزيعها، وأغلبها للتيار، المطبوعات، الاجتماعات الجانبية التي تعقد في مراكز المستقبل... يتحدث شاب جامعي عن طرح أفكار تحضيرية يمكن بثها عبر التلفزيونات، وضرورة إظهار خلوّ ساحة الشهداء من حضور فعلي للمعارضة مقابل كثافة سيتم حشدها من قوى الاكثرية.
وتقوم الاستعدادات على استخدام ساحة الشهداء في نصفها الخالي حيث يقع ضريح رفيق الحريري، لتجميع عدد كبير من المحتفلين الذين تتوقّع قيادة المستقبل ان يتجاوز عددهم المليون. وحتى لو لم تتّسع الساحة المنشقّة بين اكثرية ومعارضة للحشد، فإن هناك اصراراً على تجمع كبير يظهر اهمية المناسبة وموقع القوى الاكثرية في المعادلة.
ويتحدث قادة ميدانيون في تيار المستقبل عن اعتداءات يومية يتعرض لها عناصرهم. ويشير احد قادة التيار الى أن النصيحة العامة لمن يتعرض لاعتداء هي تسجيل شكوى لدى المخفر. ويضيف «ان اللجوء الى المخفر يدفع عناصر الدرك الى الضحك، والتساؤل عما يمكنهم ان يفعلوه، وهم يقولون لبعض من يطلب تسجيل شكوى إن زجاج المخفر الخارجي تعرض للكسر على ايدي مجهولين». الا ان القيادة الرسمية لتيار المستقبل لا تملك اجابات الا تسجيل ما يحصل لدى القوى الامنيةاحد الذين تعرضوا للضرب على ايدي معارضين دخل الى المخفر وسجل شكوى. وحين خرج وجد أن سيارته تعرضت للتحطيم، فعاد مجدداً الى داخل المخفر وسجل شكوى اخرى.
ورغم كل ذلك، ثمة قناعة كبيرة لدى قيادة التيار تفيد بأنّ يوم 14 شباط هو يوم سلمي، ولن يحصل فيه اشكالات، وسيعمد حزب الله الى افراغ مخيماته في الوسط التجاري من المعارضين، ويبقي على مجموعة الانضباط هناك للحفاظ على الامن، وهو ما سيمنع اي احتكاك مع قوى الأكثرية التي ستتجمّع في النصف الشمالي من ساحة الشهداء.
ملائكة ومسلّحون
لكنّ عناصر تيّار المستقبل ومناصريه ليسوا من الملائكة. حصل اطلاق نار في الطريق الجديدة، وتحول الامر الى يوم دموي برداء حرب اهلية مصغرة. يجيب قائد في المستقبل بأن «ما حصل هو هجوم على الطريق الجديدة بعد مشكلة الجامعة العربية التي تم تطويقها فوراً، الا أن محاولة اقتحام المنطقة فجّرت الوضع». «نعم»، يضيف «نحن نسمع يومياً من عناصرنا طلب تزويدهم السلاح، الا أن ذلك لن يحصل. ومن حمل السلاح في الطريق الجديدة حصل عليه من مصادره الخاصة، والدليل هو الرماية من الشرفات والطوابق العليا بأسلحة فردية منها المسدسات، فأين هي بنادق القنص؟».
ويستطرد القائد بالقول «كانت الطريق الجديدة مثل مكسر العصا، كلما تشاجر زوجان في الضاحية يخرج الزوج ليحطم السيارات في الطريق الجديدة، واليوم صارت هدفاً اكثر من قبل. وشبان المستقبل في كل لبنان اصبحوا يهتفون الله... الحريري... الطريق الجديدة. صارت رمزاً بالنسبة لهؤلاء الشبان».
النقاش يودي الى استنتاج وحيد بأن الطريق الجديدة ممنوعة من السقوط، الا أن لعبة الدم شأن آخر. ويتهم القائد نفسه المعارضة بإطلاق النار على الجيش اللبناني، وإصابة ضابط في مخابرات الجيش كان يرفع جريحاً سقط من نيران المعارضة. هذه، على الأقلّ، وجهة نظر «المستقبل» الذي يبدي قادته العديد من الملاحظات والبراهين على صحّتها، ويعلنون عن اقتناعهم بأنّ الفريق الآخر قد استخدم السلاح في محاولة إسقاط منطقة يحظون فيها بشعبية واسعة ونفوذ كبير.
ومن الطريق الجديدة الى ساحة الشهداء، من المتوقع أن تتوافد حشود الشبان، وسط سخرية قيادة المستقبل من معلومات عن تجنيد زعماء شارع معروفين بولائهم لمن يدفع اكثر. وينفي «المستقبل» تعاونه معهم، بل ويتّهم الأخصام، وخصوصاً حزب الله، بدفع المال لهم واستخدامهم في مناطق نفوذ «المستقبل».




حزب «تيّار المستقبل»

قبل حرب تموز الأخيرة، كان النائب سعد الحريري يبدي اهتماماً كبيراً بتأليف حزب المستقبل، الذي سيكون اسمه الرسمي تيار المستقبل، انطلاقاً من حرص الرئيس رفيق الحريري المؤسّس على عدم استخدام كلمة حزب المرتبطة في لبنان بصورة الميليشيات والحرب الأهلية.
جاءت حرب تموز، وما سبقها وما تلاها من تجاذبات سياسية، لتؤخر تأليف الحزب ولتضعه في أسفل سلّم الأولويات بالنسبة للتيار ورئيسه الحالي.
اليوم، يستعيد قائد التيار اهتمامه بالتشكيل التنظيمي لتياره، وتدفعه ضرورة استحداث عدد من القطاعات وترتيب البيت الداخلي إلى تسريع العمل. إلا أن التسريع لا يعني ما سبق أن أعلن عنه إعلامياً عن إطلاقه بعد يوم واحد من ذكرى اغتيال الرئيس الحريري، بل سيعلن عنه في وقت لاحق يرفض قياديو التيار تحديده، تاركين أمره لسعد الحريري شخصياً.
قليلة هي المعلومات التي يسرّبها أنصار المستقبل عن مشروع حزبهم، وخصوصاً خلال سفر القيّمين على المشروع. وفيما سيُترَك إعلان اسم الأمين العام لحزب تيار المستقبل سرياً، ليعلن عنه رئيس التيار الحريري في وقت لاحق، رشح أنّ النائب باسم السبع هو أحد أبرز الكاتبين لمشروع النظام الداخلي للحزب الجديد.

شركات خاصّةلا ميليشيات

لا يحرج قادة تيار المستقبل الحديث عن تجمّعات لشبان من المناطق في فنادق سابقة في بيروت. فيعلنون أن لا علاقة للتيار رسمياً بهذا الامر، ولو كان التيار يحشد المناصرين والمقاتلين المحتملين لما وضعهم في مبانٍ مكشوفة، بل كان وزعهم بطرق أخرى.
«الموجودون في هذه المباني هم من الشبان الراغبين في العمل في شركات امنية خاصة»، يقول احد قادة تيار المستقبل. ويضيف أن مسؤولين في هذه الشركات، وهم مقرّبون من تيار المستقبل، يستقدمون الشبان الراغبين في العمل في الشركات من مناطق مختلفة، ويوزّعونهم على المباني تمهيداً لتجهيزهم وتوظيفهم. ويوضح أن الشركات المالية ومراكز التيار وعدداً آخر من المؤسسات في بيروت ستستفيد من هؤلاء الشبان عبر الشركات الأمنية المعنية، وخصوصاً مع تزايد التهديدات الأمنية ضد «المستقبل» ومؤسّساته.
ويؤكّد القائد نفسه أنه لا نية ولا توجّه للتدخّل بأي شكل مسلح او عنيف في الاشكالات او التحركات، ولا امكان لتحول «المستقبل» الى ميليشيا مسلحة.