انتقد البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير بشدّة أهل السياسة «في الحكم وخارجه»، مشيراً إلى أنهم «يتراشقون كل يوم بأقذع النعوت بدلاً من أن يتكاتفوا ليبحثوا في وسائل إخراج البلد من محنته الطويلة». ورأى أن «ما شهدناه في الأيام الأخيرة بين المسيحيين يدلّ على أننا لا نزال بعيدين عن تعاليم السيد المسيح، فإذا بنا نتزاحم على السراب، ونتعادى على الحطام، ونتقاتل على الأوهام، وكأننا رجعنا عشرين سنة إلى الوراء».مواقف صفير جاءت في رسالة وجّهها أمس لمناسبة الصوم الكبير بعنوان «محبة الوطن»، وتطرّق فيها إلى الأوضاع الداخلية، مشيراً إلى أن «ما شهدناه في هذه الأيام الأخيرة على مسرح الحياة السياسية في لبنان، وبخاصة بين المسيحيين، يدل على أننا لا نزال بعيدين كل البعد عن تعاليم السيد المسيح (...) فإذا بنا نتزاحم على السراب، ونتعادى على الحطام، ونتقاتل على الأوهام، وكأننا نعيش في عالم آخر لا يمتّ الى الواقع المعيش بصيغة، وقد أصبحنا غير ما نحن، فانسقنا وراء غرائزنا، واستسلمنا لما يمليه علينا خيالنا. وكأننا رجعنا عشرين سنة الى الوراء، لنرى المشاهد عينها، والاصطفافات ذاتها، والتراشقات التي لا تتبدل ولا تتغير. وباطلاً مات من مات، واستشهد من استشهد، وهاجر من هاجر. وكأنّ الزمن قد تجمّد، ولم يدُر الفلك دورته المعتادة. فإذا بنا نحن على حق، ومن هم قبالتنا على باطل، ولو كانوا إخواناً لنا في الوطن، والدّين، والتطلع الى المستقبل».
وذكّر بالإرشاد الرسولي الصادر في العاشر من أيار 1997، مشيراً إلى أنه «لا يزال على جدّته. وقد جاء فيه عن السلام والمصالحة ما يوجب العودة إليه في هذه الأيام المضطربة التي نعيش فيها».
ورأى صفير أن «بناء السلام يتطلب لدى المواطنين رؤية واضحة، دونما انسياق وراء هذا أو ذاك من الذين يحسنون إثارة المشاعر، وتحقير الخصوم، وتقبيح ما يقومون به من أعمال ويتخذون من مواقف، فيما هم يدأبون في إظهار محاسن ما هم يقدمون عليه من مواقف، ويتخذونه من مبادرات، وينادون به من طروحات».
وعرض للأوضاع الاقتصادية والسياسية والإدارية وقال:
1 ــ الديون ارتفعت إلى ما فوق الأربعين مليار دولار، وهي مستمرة في الارتفاع لما يتوجب عليها من استحقاقات وفوائد. ومعظم الشباب اللبناني لا يجدون فرص عمل في وطنهم، وهم ذوو كفاءة عالية وشهادات جامعية، يلجأون الى الهجرة (...) والأمل ضئيل بعودتهم الى وطنهم الأول.
2 ــ أعداد المواطنين الذين يشكون الفقر والعوز المتناميين كل يوم، وهم يعيشون من حسنات الجمعيات الخيرية، ومطاعم القلب، وما تحاول الدولة أن تمدّهم به من بعض مساعدات، فيما يتكاثر عدد الطارئين من كل البلدان المجاورة، ومن بينهم مسلحون من أصحاب السوابق، ولا ضابط لهم، ولا رقابة عليهم، وغالباً ما يكونون عنصر شغب وإجرام.
3 ــ إقفال العديد من المحال التجارية، وبخاصة في وسط العاصمة لما أقيم فيها من خيم نصبها المضربون الذين يقضون معظم أيامهم ولياليهم في تدخين النارجيلة ولعب الورق، وقتل الوقت.
4 ــ بوار موسم الصيف والإشتاء بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان بين شهري تموز وآب من السنة الفائتة، وما تبعها من ذيول تسببت بخسائر فادحة، حملت بعض بلدان العالم على الإسراع إلى نجدتنا بمساعدة بلغت ما فوق السبعة مليارات دولار أميركي.
5 ــ وقد زاد الأمر تأزماً ما نشهده من خلافات على صعيد الدولة والحكم. فالمؤسسات الرسمية الأساسية تطعن إحداها بشرعية الأخرى، فإذا بها على قدر كبير من الشلل. وهناك تعيينات في السلك الدبلوماسي والإدارة وبعض المجالس الرسمية تُرجأ إلى ما لا نهاية له، لما هناك من خلاف بين أهل الحكم.
6 ــ وبدلاً من معالجة هذه الحالة بروح وطنية بنّاءة، نرى أهل السياسة في الحكم وخارجه، يتراشقون كل يوم بأقذع النعوت، بدلاً من أن يتكاتفوا ليبحثوا في أنجع الوسائل لإخراج البلد من محنته الطويلة، وكأنهم قد تقمّصوا سواهم من ذوي الشأن في بلدانهم، قريبها وبعيدها، فيعملون بإرادات هؤلاء لمصالح بلدانهم بدلاً من أن يعملوا لمصلحة بلدهم لبنان دون سواه.
7 ــ وهناك فوارق بين المواطنين الذين يدفعون ما عليهم من واجبات تجاه الدولة، والذين لا يدفعون، فإذا بالمؤسسات الرسمية تعاني العجز.
أضاف: «المآخذ كثيرة واللائحة طويلة. ونكتفي منها بهذا القدر، لعلها تسترعي انتباه من يجب للمبادرة الى تغيير الأسلوب واستبدال النهج بسواه، والمسارعة الى رص الصفوف والعمل معاً متساندين لإنهاض بلدنا والعودة به إلى سابق عهده من الأمان والسلام والازدهار»، معتبراً أن ما أشرنا إليه من سوء حال يتنافى وبناء السلام المنشود. وهذا يتطلب حسن نية، ومحبة لا أنانية فيها للوطن، وتضحيات جساماً يقدم عليها جميع المواطنين، كل من موقعه، وبحسب وقدراته، لينهض الوطن».
وتمنى أن «نعرف قيمة هذا الوطن الذي يتمتع بقدر من الحرية قد لا نجد مثيلاً لها في المنطقة، لكننا أفسدناها فجعلنا منها فوضى عادت علينا جميعاً بالضرر الكبير، آملاً أن نخرج من هذا الوضع البائس بأسرع وقت ممكن».
(وطنية)