إبراهيم الأمين
يرفض مساعد الامين العام للجامعة العربية السفير هشام يوسف تقويم زيارته الاخيرة الى لبنان على اساس أنها كانت بهدف تحقيق تسوية وأنه فشل بالأمر. وهو يدعو من باب إنصاف ما تقوم به الجامعة العربية الى النظر الى المهمة الاخيرة من زاوية أن هدفها لم يكن كما قدّر من اعلن فشلها. بل هناك مدة زمنية طويلة نسبياً فصلت بين موعد الزيارة التي قام بها الوفد وبين مغادرة عمرو موسى بيروت. وأن هذه الفترة شهدت كمية كبيرة من الاحداث السياسية والامنية وحصلت اضرابات واعتصامات ومواجهات، كما اعلنت مواقف سياسية جديدة تتصل بنقاط البحث. لكن مبدأ التحرك المطلوب من الجامعة لم يتعرض لعملية ابعاد او تهميش، ولو أن اتصالات ومساعي تقوم بها جهات عربية واقليمية ودولية. وبالتالي فإن الجامعة تشعر بأنها معنية بخطوات جديدة، وكان لا بد لموسى من ان يطلع على ادق حقائق التطورات التي جرت في الفترة الماضية، ولأجل اعادة ربط الامور بعضها ببعض قبل الشروع في الخطوات الجديدة التي يعتقد يوسف انها باتت قريبة من دون ان يفصح عنها.
وفي هذا السياق، يلفت يوسف الى أن ما قام به وفريقه في بيروت كان عبارة عن عملية استماع وتدقيق في مواقف جميع الاطراف المعنية بالأزمة في لبنان، وتحديد ما هو جديد في المواقف وما يمكن تصنيفه في خانة التشدد او المرونة. وبالتالي تكوين صورة جديدة هي التي وُضع موسى في اجوائها قبل الشروع في تقدير الموقف والخطوات الواجب اتباعها. وفي هذا الاطار يعرب يوسف عن امله في “انصاف” ما قام به وفد الجامعة في بيروت، وخصوصاً لجهة انه لا يمكن “بناء الموقف والتقدير وفق ما هو متداول اعلامياً فقط”.
ومع ان يوسف يتوقف عن الكلام عند هذه الحدود، فإن مراجعة مع بعض الذين التقوه في بيروت، تشير الى الآتي:
اولاً ــــ تبين ان وفد الجامعة تلقى ما هو اكثر من وعد وأقل من تعهد، ويقع في حدود التطمينات بأن تظل الامور هادئة في البلاد في الفترة القريبة المقبلة، وأن جميع الاطراف سوف تعمل على ان تمر مناسبة 14 شباط بهدوء.
ثانياً ـــــ اكد كل الذين التقوا الوفد العربي أن لبنان يحتاج الى مبادرة الجامعة العربية ولا يجد مهرباً من تدخل خارجي لمنع الانفجار الداخلي، وأن العوامل الخارجية لها حصتها التي توازي او قد تفوق العوامل الداخلية.
ثالثاً ـــــ ان تطور المواقف ابقى عنصري الازمة قائمين وهما ملف المحكمة الدولية من جهة وملف الحكومة من جهة ثانية، وهو ما يعني أن العقل الخلاّق يجب ان يركز جهده على إيجاد الصيغة التي تحفظ التوازي والتوازن بين الخطوتين.
رابعاً ــ ان على الجامعة أن تسثمر ايجاباً الاتصالات الجارية بين السعودية وإيران لما لهما من تأثير على الاطراف المعنية بالازمة اللبنانية كافة، لكن من دون الركون اليها فقط، وأن يتم التعامل مع الجانب الاقليمي من الأزمة بحجمه الحقيقي.
خامساً ـــــ ان الاحداث والخطوات التي لجأ اليها طرفا الأزمة خلال المدة المنصرمة تركت آثارها المباشرة على تطلعات كل منهما، وهذا ما دفع الى تمييز مرونة في امكنة وتشدد في امكنة اخرى. كما اظهر أنه ليس هناك تطابق كلي وحرفي بين كل ما تقوله قوى فريق السلطة، وكذلك حال قوى فريق المعارضة.
واذا كان موسى يواصل مشاوراته مع الجهات اللبنانية ومع الجهات الخارجية، فهو لم يصل بعد الى خريطة الطريق التي سوف يسلكها في المرحلة المقبلة، لكن الاكيد أن ما ضرب له من مواعيد للمجيء الى بيروت ليس دقيقاً، وأنه في انتظار بعض الاخبار التي تفيده اكثر في تحديد الاطار المفترض ان يعمل عليه في المرحلة المقبلة. وهو الاطار الذي يبدو ان الرئيس نبيه بري والسفيرين السعودي عبد العزيز خوجة والايراني محمد رضا شيباني يعملون “تحت الماء” حسب ما يقول احد الثلاثة انه “الاطار الذي ينظم الخلاف ضمن حدود متدنية وينظم الحوار ضمن حدود اعلى بكثير”. لكن باب التفاؤل رهن قدرات من بيده الامر وهو غير متوفر في لبنان اليوم.
لكن هل من مرونة لدى طرف رئيسي تتيح التوصل الى حل؟
من جانب فريق السلطة ثمة مبالغات تعكس “العقل الميليشياوي” الذي يديره. وليد جنبلاط وسمير جعجع لا يعرفان معنى لتسوية سوف تتم بين الثلاثة الكبار من حولهم: حزب الله والعماد ميشال عون وسعد الحريري. ثم إنهما لا يعرفان أيضاً معنى لهذه التسوية اذا كان شرطهما إبعادهما عن ساحة التوتر القائمة الآن، وكان ثمنها إبعادهما عن دائرة القرار ايضاً. وهو ما يجعلهما يلتصقان اكثر فأكثر بالجانب الاميركي ــــــ الفرنسي، ويظهران استعداداً للقيام بكل ما من شأنه دفع الامور نحو مواجهة على خلفية ان الانفجار سوف يقود الى تركيبة سياسية تبقيهما في المكان المتقدم. وهو ما يتطلب منهما الضغط اكثر لاحتواء حركة وموقف رئيس تيار المستقبل وكوادره، وهو الامر الذي يجري العمل عليه الآن انطلاقاً من تقدير بأن الحريري الابن ليس كوالده، وهو لا يمانع حصول اختبارات قوة في الشارع ولن يمانع دفع “حلفاء سوريا” في لبنان الى الاشتباك الذي يفترض جنبلاط وجعجع انه سوف يستدرج حتماً تدخلاً خارجياً اكبر بكثير من السابق.
لكن ما هو اخطر في هذا السياق، المعلومات عن استعدادات عملية من جانب جنبلاط وجعجع لرفع الصوت بطلب الدعم الدولي من اي جهة كانت، وأنه ليس هناك حرم على اي علاقة مع اي طرف خارجي اذا كان في ذلك ما يوفر الحماية لهذا الفريق، وخصوصاً أن البعض في لبنان يعتقد أن الامور تسير باتجاه مواجهة اقليمية كبيرة خلال الاشهر الستة المقبلة. وأن الامر يتعلق بسوريا وإيران، ولا بد من خطوات وقائية في لبنان تمنع طهران ودمشق من عمل بشيء في اطار المواجهة مع الاميركيين.
لكن هل في الرياض والقاهرة من يغطي هذا الجنون؟ ام أن لبنان على مقربة من مكة اخرى تخصه بعدما فتح اتفاق مكة امس بين القوى الفلسطينية الباب امام تسويات من هذا النوع؟