مارون الراس – كامل جابر وداني الأمين
فيما يحتفي لبنان بعيد مار مارون، تعيش حاملة اسمه، بلدة مارون الراس، تفاصيل عيدها المستمر في المواجهة والتصدي للعدو الإسرائيلي، الذي نكّل ببيوت أهلها وأسر عدداً من شبابها ورجالها في عدوان تموز
بعد ليل المواجهة التي تصدى فيها الجيش اللبناني لتقدم العدو نحو محلة «العمرا» القريبة من مقام «الولي» في محاذاة الشريط الشائك الفاصل بين لبنان وفلسطين المحلتة، تحولت البلدة أمس، إلى ساحة «مواجهة» من نوع آخر؛ فبعد تقاعس قوات «اليونفيل» عن القيام بواجبها، طوال نهار ونصف ليل من الاستفزازات الإسرائيلية، التي أفضت قبل منتصف الليل إلى اشتباك بين الجيش اللبناني وقوات العدو المخترقة للحدود اللبنانية، دفعت هذه القوات، منذ صباح أمس، بحشد من قواتها المتعددة وبآليات مدرعة وغير مدرعة، ضمن «قوات التدخل السريع»، كان اللافت فيها القوة الفرنسية الكبيرة على متن رتل من دبابات «لو كلير» التي انتشرت ورابطت في أكثر من جهة وموقع في مارون الراس، وصولاً إلى محيط «البركة» بين البلدة وجارتها يارون، وكذلك إلى الحدود الدولية اللبنانية قبالة مستوطنة «أفيفيم». فضلاً عن مشاركة مجموعة من فريق الهدنة بمواكبة ضباط من الجيش اللبناني.
وعلى «جبهة» أخرى، وصل فريق من قوات «اليونيفل» برفقة الجيش اللبناني الى مكان الاشتباكات، وقام عناصره بتصوير الأرض التي اختُرقت بغية التأكد من الحدود التي رُسمت سابقاً. ويلفت أحد المتابعين في الجيش اللبناني إلى عدم «وجود أي علامات تشير الى الحدود الأساسية التي رُسمت مع اسرائيل، وهذا التقدم هو الأول من نوعه وحجمه بعد الحرب الأخيرة».
«الأخبار» رصدت الأرض التي اخترقت، وتبين أنه يوجد شريط شائك كان الجيش الاسرائيلي قد وضعه سابقاً على طول الحدود؛ وعلى مقربة منه ولمسافة تبلغ نحو عشرين متراً لجهة مارون الراس، وضعت أسلاك أخرى تشير الى أن المنطقة مزروعة بالألغام. وكان جيش العدو قبل المواجهة قد قطع الشريطين الشائكين وتقدم بعدهما في الأراضي اللبنانية نحو خمسين متراً ثم تراجع. وعند الثالثة من بعد ظهر أمس قام فريق من القوات الصينية بتفجير جزء من المكان (بين الشريطين) بغية التخلّص من الألغام المزروعة ومتابعة عملها في التأكد من الحدود. وفي الجهة المقابلة داخل فلسطين المحتلة كان فريق من قوات اليونيفيل يحاول التأكد من الحدود مع دوريات مكثفة للجيش الاسرائيلي.
ووصف ضابط دولي الوضع في مارون الراس، بعد الظهر بـ«أنه تحت السيطرة وهادئ، مع تراجع حدة التوتر التي تفاقمت ليلاً». مشيراً إلى «انتشار عناصر الوحدة الفرنسية في المنطقة وقيامهم بمتابعة كل شاردة وواردة».
وأوضحت قيادة الجيش اللبناني في بيان لها أن «الأوامر أعطيت إلى قوى الجيش المستنفرة في المنطقة المذكورة بفتح النار على القوة الإسرائيلية، وقد أجبرتها على التوقف ثم التراجع والانسحاب». وتابع البيان : «وتمادياً بالاعتداء أطلقت قوات العدو النيران على أحد مراكز الجيش داخل الأراضي اللبنانية ممّا أدى الى إصابة ناقلة جند بأضرار مادية من دون وقوع إصابات بالأرواح".
وأصدر الناطق الرسمي باسم قوات «اليونيفيل» ميلوش شتروغر بياناً وصف فيه ما حدث من مواجهة بين الجيش اللبناني والإسرائيليين بأنه «حادث خطير». وأضاف: «إن القائد العام لليونيفيل الجنرال كلاوديو غريتسيانو كان على اتصال بالطرفين لحثهم على وقف النار فوراً؛ وقد جرى الالتزام بوقف إطلاق النار قبل منتصف الليل». مشيراً إلى أن «اليونيفيل انتشرت في المنطقة وتتقصى الحقائق في الحادث».
ولاحقاً، بعد لقاء مع الرئيس نبيه بري أعلن غريتسيانو «أن اليونيفيل لا تزال تقوم بتحقيق في شأن الموضوع». وأضاف «لدينا تقارير من الطرفين (...) لا أريد أن استنتج الأمور قبل جلاء التحقيق».
ونفذ قائد الكتيبة الإيطالية المتمركزة في تبنين الجنرال باولو جيرميتا جولة ميدانية في المنطقة لمراقبة الوضع عن كثب؛ معطياً أوامره لتكثيف الدوريات الإيطالية.
أمّا الجيش اللبناني، فقد ظل في حال استنفار قصوى، واتخذ الجنود اللبنانيون مواقع قتالية، فيما تمركزت دبابتان من طراز إم 113 في مواجهة البوابة التي تقدم منها جنود العدو خلال عدوان تموز، وقد صوبت فوهتا مدفعيتهما باتجاه هذه البوابة.
وفي الجهة الإسرائيلية المقابلة، نفذت سيارتا «هامر» دوريات على الطرقات الداخلية الموازية للأسلاك الشائكة؛ وترجّل من إحداهما ثلاثة جنود وتقدموا نحو الجرافة التي ظلت في المكان وعاينوها ثم عادوا أدراجهم بعد مراقبة المنطقة.
ويقول خليل كرنيب، أحد أبناء بلدة مارون الراس: «لقد أنشأ الجيش الاسرائيلي قبل كل ذلك حقلاً للرماية على الحدود، وهذا عمل استفزازي لأن الجنود يمارسون تدريباتهم على مسمع أهالي المنطقة الحدودية، ومن هذا الحقل أطلقت إحدى القذائف باتجاه مارون الراس يوم الاثنين، وهم الآن يتابعون أعمالهم الاستفزازية».
وفي مرجعيون، ساد جو من الهدوء الحذر في مواقع الجيش اللبناني المنتشرة في المنطقة، والمواقع العسكرية الإسرائيلية الممتدة على طول السياج الشائك. واتخذ عناصر اللواءين العاشر والحادي عشر في الجيش اللبناني مواقع قتالية على طول الحدود الدولية وأمام المواقع الإسرائيلية الممتدة من المستعمرات المطلة على بلدة الوزاني مروراً بتلة الحمامص ومستعمرات المطلة ومسكاف عام والعباد ومستعمرة المنارة وصولاً إلى مواقع العدو المشرفة على بلدة ميس الجبل عيترون وبنت جبيل.
وأقام الجيش طوال يوم أمس حواجز ثابتة على طول الطريق الدولي الذي يفصل مرجعيون وبنت جبيل وراقب جنوده التحركات الإسرائيلية، كما سير اللواء العاشر في الجيش اللبناني دوريات مؤللة، في المقابل لوحظ غياب شامل لتحركات العدو وشلت حركة العمل في بساتين التفاح فيما اختبأ الجنود المتمركزون داخل دشمهم العسكرية في مستعمرات المطلة ومسكاف عام.
وإلى جانب ذلك، كثفت قوات الطوارئ الدولية وخصوصاً الكتيبة الإسبانية دورياتها على الحدود، وأقامت حواجز ثابتة على مفترق الطرقات وبين القرى والبلدات وداخل الأحياء السكنية وراقبت تحركات للجيش اللبناني وما يجري داخل المستعمرات عبر المناظير، وأقامت الكتيبة الاندونيسية حواجز لها في العديسة وعلى مقربة من مواقع الجيش اللبناني المقابلة لمستعمرة مسكاف عام، وكذلك دققت الكتيبة الإسبانية في هوية بعض المارة في منطقة كفركلا.