غسان سعود
«استقال الوزراء أو لم يستقيلوا»، ماذا يتغيّر؟ بعيداً من السياسة و«الخلل الميثاقي»، تكاد تنحصر الآثار السلبية للخطوة التصعيدية الأولى للمعارضة في وزارتي البيئة والصناعة حيث لا وزراء بالوكالة. أمّا في الوزارات الأخرى، فتسير الأمور بصورة شبه طبيعيّة



وفقاً للقانون، يُكلَّف الوزير الوكيل الحلول مكان الوزير الأصيل، عند غياب الأخير. الأمر الذي دفع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى الإيعاز، بعد أسبوعين من التردد، إلى وكلاء الوزارء المستقيلين، التوجه إلى وزاراتهم. فوفّق الوزير حسن السبع، العائد عن استقالته في وزارة الداخلية والبلديات، بين مهماته في الأولى ومهماته في وزارة العمل أيضاً، وبات يقصد الوزارتين. الأولى يومياً والثانية كلما اقتضت الحاجة.
وفي «العمل»، يقول بعض الموظفين إن «خطهم السياسي من خط الفريق الذي ترأس الوزارة مدة طويلة» ويتذمرون من حضور السبع وبعض مستشاريه، ويتحدث بعض هؤلاء عن لجوء مستشاري السبع إلى ختم المستندات بأنفسهم، بدل توقيعها من الوزير، كما ينص القانون.
أما وزير الأشغال العامة والنقل محمد الصفدي، فازدادت أعماله وتخطت ساعات عمله الستّ عشرة يومياً. ويوضح أحد مستشاريه أنّ «الطاقة» تتطلّب جهداً واهتماماً يساويان ضعف المطلوب منه في وزارته الأساسيّة.
وفي المقابل، يبدو الوزير جو سركيس أقرب في علاقته مع وزارته الجديدة، موظفين وملفات، إلى وزير أصيل. وفي وزارة الخارجية، يبذل «الوكيل» طارق متري أقصى جهده، بحسب أحد الموظفين. وبموازاة اندفاعة «الوكلاء» صوب وزاراتهم، تميزت الوزيرة الوكيلة لوزارة الصحة، وزيرة الشؤون الاجتماعيّة نائلة معوض، عن رفاقها. ولم تحاول حتى زيارة الوزارة، أو الاطلاع عن قرب عمّا يُمكن أن تقوم به. ويمثّل هذا الأمر مدعاة فخر لبعض الموظفين الذين يؤكدون أن «وزارة سليمان بيك» لن تكون أبداً «مقراً، ولو مؤقتاً لمعاليها». واللافت في هذه الوزارة أنّ محمد خليفة، وزير الصحة المستقيل، ما زال يوقّع المستندات الاضطرارية، بحسب أحد المطلعين. أما «مكتب الوزير» في وزارتي البيئة والصناعة فما زال فارغاً، بسبب استقالة الوزيرين الوكيلين أيضاً. وتحول فادي خوري (المدير العام بالإنابة في وزارة الصناعة) وبرج أرمان هاتاجيان (المدير العام وزارة البيئة) إلى ما يشبه وزيرين بديلين.
مع وكيل
بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن صلاحيات الوزير الوكيل هي نفسها صلاحيات الوزير الأصيل. وفي «الطاقة»، يُجمع معظم الموظفين على حسن سير الأمور، ونجاح الصفدي في تنفيذ واجباته الجديدة بمساعدة من المدير العام. فيما يؤكد وزير الطاقة المستقيل محمد فنيش عدم توقيعه أي ورقة إدارية منذ تقديم استقالته، و«استلام الصفدي لكل شؤون الوزارة 100%». وكان مجلس الوزراء قد وافق في 9 تشرين الثاني 2006 على اقتراح وزارة الطاقة والمياه المتعلق بدعم المازوت، رغم غياب وزير الطاقة. ولاحقاً، في 2/11/2006، وافق على قرار آخر يتعلق بالطاقة، ليؤكد بحسب أحد مستشاري الصفدي استمرارية المؤسسات، رغم تغيُب بعض الوزراء.
أما في «الخارجية»، فيجمع الموظّفون على حسن سير الأمور، رغم تحفّظ البعض على ما سمّوه «الانقطاع في التواصل بين وزارة الخارجية والبعثات اللبنانيّة الدبلوماسيّة في العالم»، و«عدم ملاءمة شخصية الوزير الوكيل لهذه الحقيبة من حيث الخبرة السياسية». ويعلق موظف آخر بأن «لبنانياً واحداً لم يكن يعتقد أن متري سيصل إلى سدة الدبلوماسية اللبنانية».
هذه السلبية تتغير في وزارة الزراعة. هنا «جو سركيس أشبه بالمعجزة»، يقول أحد الموظفين بلهجة بقاعيّة. ويشير موظف آخر إلى أن موظفي الوزارة فوجئوا بـ«شخصية هذا الرجل الذي يبدو عبر الإعلام متكبراً، فيما هو شديد التواضع». ويبدو سركيس، بدوره، مفعماً بالحماسة عند كلامه عن وزارته الجديدة، ويكشف عن فكرة لا تزال قيد الدرس تتمثّل بعقد «مؤتمر عام للقطاعات الزراعيّة المتنوعة».
يقارن سركيس بين بريده في وزارة الزراعة ومثيله في وزارة السياحة، للقول إن الوزارة الجديدة تأخذ الجزء الأكبر من وقته في هذه الأيام. وكان مجلس الوزراء قد وافق في 12/1/2007 على «طلب وزارة الزراعة تنظيم تصدير النبيذ وعصير العنب ومسطار العنب»،
أمّا في وزارة العمل، وبعد الأزمة التي عاناها المواطنون بخصوص العمال الأجانب لديهم، خلال الأيام الأولى التي تلت استقالة الوزراء، فقد عاد الوزير الوكيل حسن السبع، ونجح في تسيير أمور المواطنين. لكن الوزير المستقيل طراد حمادة يتخوّف من تجاوز السبع للإنجازات المهمّة والخطط الإصلاحية التي قدمتها الوزارة. وفي «العمل»، تجري الأعمال بصورة طبيعيّة، وتُنجز كل المعاملات الروتينية. وكشف بعض الموظفين عن استقالة فريق العمل الذي عينه حمادة، وحل مكانه فريق عمل تابع للوزير الوكيل.
من دون وكيل
من دون وزير وكيل، يُشلّ العمل تماماً في الوزارة، بحسب النائب السابق مخايل الضاهر. ويتطلب تعيين «وزير وكيل» أو «وزير بديل»، بحسب رئيس مجلس شورى الدولة السابق يوسف سعد الله الخوري، مرسوماً موقعاً من رئيس الجمهورية. والواضح بعد جولة على الوزارات، أن المشكلة الحقيقيّة، والانعكاس السلبي المباشر لاستقالة الوزراء يتّضحان في وزارتي الصناعة والبيئة. علماً أن محمد خليفة هو الوزير الوكيل في وزارة الصناعة، ومحمد فنيش هو الوزير الوكيل في وزارة البيئة.
وفي التفاصيل، فإنّ معظم الأعمال في وزارة الصناعة متوقفة اليوم، وخصوصاً التراخيص الصناعيّة، وكل ما له علاقة بالتزامات ماليّة، وتجديد عقود الموظفين. ويقول المدير العام للوزارة إنه يوسع صلاحيته قدر المستطاع لتسيير ما أمكن من معاملات. لكن المشكلة الرئيسية أن كل الأمور المالية عالقة.
وفي «البيئة»، تعلو صرخات الجمعيات البيئية، التي لا تجد من يسمع لها، أو يساعدها قانونياً على تفعيل مبادراتها. وتقول إحدى أبرز الجمعيات البيئية إن المعنيين لا يجيبون على هواتفهم الخلوية. ويوضح رئيس جمعية أخرى استحالة التعاطي مع وزارة لا رأس لها. والمشكلة أن مجلس الوزراء ناقش بعض الشؤون البيئية، ووافق مثلاً على «طلب وزارة البيئة إجراء مناقصة علنية لتلزيم بيع مولدات بخار وأجهزة متعلقة بها عائدة إلى الوزارة المذكورة من خارج البرنامج السنوي للمناقصات العموميّة».
وقرر في جلسته المنعقدة بتاريخ 04/01/2007، الموافقة على «تمديد العمل بآلية إعطاء الأذونات المؤقتة والمرحلية لاستخراج البحص والرمل على أن تُعطى الأذونات من وزير الداخلية والبلديات وفقاً للآلية المعتمدة وذلك لغاية 30/6/2007». وهو قرار يثير ريبة بعض الجمعيات. وتجاهل المجلس في المقابل أزمة التلوث البحري التي ما زالت تهدد الشاطئ اللبناني، بعد أن انتهت عقود بعض الشركات، التي تعهدت تنظيم المياه الإقليمية اللبنانية، وغادر أصحابها، قبل أن ينجزوا المهمات المطلوبة منهم.


«حضرة المدير العام»
يقول أحد الموظّفين: «مئة أمر من الوزير، ولا أمر من المدير العام». ويُسِرّ بأن معظم الوزراء، أصيلين أو وكلاء، لا يعلمون التفاصيل الإدارية في وزاراتهم. أما المدير العام فغالباً ما يكون ملمّاً بكل مهامّ الموظفين وواجباتهم والقوانين المنظمة لسير العمل. ويقول أحدهم إن السلام على المدير العام بغير كلمة «حضرة» تُمكنه من إيجاد مخرج قانوني لعقوبة مسلكية بحق الموظف. ويكشف أحد الموظفين أن المدير العام هو غالباً من يُمسك بوزارته، وأن سوء التفاهم بين المدير العام والوزير يُعطل أعمال الوزارة.
وكانت استقالة الوزراء قد أبرزت دور المدير العام، وأطلقت أياديهم في وزاراتهم. ويوضح الخبير القانوني زياد بارود أن المادة السابعة من قانون التنظيم الإداري حددت صلاحيات المدير العام ومسؤولياته، وجعلته «الرئيس المباشر، تحت سلطة الوزير وفي نطاق القوانين والأنظمة، لجميع الدوائر وجميع الموظفين التابعين له».
ويتولى المدير العام إدارة الدوائر والتنسيق في ما بينها، ومراقبة تنفيذها، واتخاذ المقررات وتوقيع المعاملات والمراسلات التي يقتضيها سير العمل، وهو ينسق الأعمال بين مختلف الدوائر والموظفين التابعين لسلطته، ويعرض على الوزير المسائل التي تتعلق بمبدأ عام أو تكون من صلاحيته. كما يعدّ التعليمات الدائمة في ما يتعلق بسير العمل والموازنة والمنهاج السنوي للأعمال، وله حق معاقبة الموظفين المخطئين. ويشير المدير العام إلى مشاريع المراسيم والقرارات وجميع المعاملات التي تعرض على الوزير أو يبدي مطالعته الخطية بشأنها. وتربط هذه المطالعة الخطيّة بالمعاملة وتُحال معها على المراجع المختصة.
ويلفت بارود إلى أن القانون يسمح للوزير بتفويض بعض صلاحيته إلى المدير العام، عبر قرار أو مذكرة تُبلغ إلى المراجع المختصة أو تنشر في الجريدة الرسميّة. وللوزير أيضاً إعطاء مثل هذا التفويض إلى رؤساء الوحدات الإدارية المرتبطين به مباشرة.


رأس الهرم
يختصر الدستور اللبناني دور الوزير ومهماته ببند صغير في المادة 66 منه تنص على «تولي الوزير إدارة مصالح الدولة، ويناط به تطبيق الأنظمة والقوانين، وكل ما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته، وبما خُصَّ به».
أما في التفاصيل، فيحدد النظام الداخلي لكل وزارة، بحسب النائب السابق مخايل الضاهر، مهمات الوزير، وأبرزها التوقيع على معظم المستندات، والتحكم بكل الشؤون المالية. ولا يجوز لغير الوزير، الأصيل أو الوكيل، توقيع مستندات تقضي بصرف أموال.
ويقول النائب السابق أوغست باخوس إن الوزير يعد «رأس هرم الوزارة، ويفترض به عرض الاقتراحات على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المشترك المناسب». وهو ما يوافق عليه رئيس مجلس شورى الدولة السابق يوسف سعد الله الخوري الذي يؤكد أن «غياب الوزير يوقف العمل بشكل شبه كامل في وزارته، وخصوصاً أنه الرئيس التسلسلي الأعلى في الوزارة، ويمثل الدولة تجاه الغير». لكن، أمام الواقع الجديد الذي فرضته استقالة ستة وزراء واستشهاد الوزير بيار الجميل، والأحداث التي تلت هذه الاستقالات، يقول باخوس إن «الرأي القانوني قد اندثر اليوم بفعل الفوضى الحاصلة، وكل شيء مكربج».