إبراهيم الأمين
استجد الوضع الجنوبي بصورة لافتة. قلة يملكون تفسيراً متكاملاً لشريط الاحداث الحاصل هناك. وإذا اضيفت إلى التطورات توقعات سمير جعجع أو نبوءاته بأن الأمور سوف تتعقد هناك وأن هجمات ستقع على قوات الطوارئ الدولية، فإن الامور تبدو مقبلة على وضع ملتبس قد يأخذ بعض الوقت. لكن الحسابات المقلقة تتركز عند القوات الدولية التي تظهر قلقاً متزايداً وعدم فهم لبعض السلوكيات، علماً بأن الانطباع السياسي والشعبي في لبنان، وهو منقسم أصلاً، يبدو قليل الترحيب بسلوك القوة الدولية نفسها. وربما صح من حديث الوزير الياس المر قبل أيام قوله إن على هذه القوات أن تثبت جدارتها في وجه الخروق الاسرائيلية قبل أن تبحث في الوضع على الحدود مع سوريا. وثمة معلومات كثيرة عن أن وضع القوة الدولية لا يتناسب مع طموحاتها السياسية أو العملانية. وثمة إشارات لا تفيد أيضاً في هذا الاتجاه، علماً بأن الحديث عن خطر تعرّضها لاعتداءات قائم منذ اليوم الأول لوصولها، ويتركز البحث الامني للدول المشاركة في القوة الدولية على مجموعات يعتقد أنها ليست على صلة بالمقاومة وحزب الله. لكن أي إشارة عملية لم تبرز بعد الى السطح.
يقول الدوليون إنهم لا يُدخلون تغييرات على الخط الازرق، وإن بمقدور من يرغب أن يأتي ومعه جهاز التحقق من خلال الاقمار الاصطناعية وأن يجري جردة على النقاط الخاصة بالخط الازرق ويطابقها مع موقع العلامات الجديدة التي يلاحظها المواطنون الآن. وإن كل ما في الامر هو تثبيت للنقاط التي أزيلت خلال العدوان الاخير. ويتهم الدوليون ضمناً الجيش اللبناني بأنه يملك هذه المعلومات ويعرفها جيداً لكنه لا يطلق موقفاً واضحاً لإقفال النقاش القائم الآن. ويعتب الدوليون على الجيش في هذه النقطة لأنهم يفترضون أن الحملة التي تستهدفهم تمثّل بعض الخطر عليهم، وهم تحسبوا خلال اليومين الماضيين لاحتمال تنظيم حزب الله تظاهرات شعبية أمام مواقعهم القيادية أو المناطقية للاحتجاج على تعديلات مفترضة على الخط الازرق، وإن الجيش عمل على إقناع الحزب بإلغاء هذه التظاهرات، لكنه ـــــ بحسب الدوليين ـــــ لم يعمد الى إطلاق موقف نهائي يحسم كل الجدل. علماً بأن القوات الدولية تأخذ في الحساب الظروف السياسية للجيش اللبناني وهي تراه محرجاً في اطلاق موقف من شأنه إظهاره طرفاً في نزاع قائم الآن بين حزب الله والرئيس فؤاد السنيورة. لكن قيادة هذه القوة ترى أن ترك النقاش مفتوحاً بهذه الصورة من شأنه تعقيد الامور أكثر على الارض. ويبدو أن لدى القوة الدولية ملاحظات من انواع مختلفة.
من جانب اسرائيل، تنحصر الأمور في قواعد اللعبة التي قامت بعد عدوان تموز. يعرف الاسرائيليون أن حزب الله موجود على السياج مباشرة لا على الحدود، وأن الامر لا يتعلق بوجود مقاتلين في نقاط ثابتة او في مواقع كالتي كانت قائمة سابقاً. وعندما رُفعت الاعلام أخيراً، بدا الأمر بالنسبة لإسرائيل على شكل عملية سياسية ـــــ أمنية تصلح لأن تحتمل رسائل من نوع آخر. ثم جاء اكتشاف العبوات الناسفة أخيراً ـــــ يرجح الاسرائيليون أنها زرعت حديثاً ولا تملك القوات الدولية وسيلة للتثبت لأن المعطيات والأدلة اختفت ـــــ وجاء هذا الحادث ليفتح الاعين على وضع صعب ومعقد. وعندما قرر الجيش الاسرائيلي القيام بنشاط للتخلص من هذه العبوات وتفتيش المنطقة كلها، برزت ثغرة اخرى تمثلت في أن حزب الله علم بأمر العمليات هذا، الذي يفترض أنه بعلم القوات الدولية والجيش اللبناني، وهو ما يمثّل إنذاراً بالنسبة إلى إسرائيل التي تعتقد أنه لو كان لدى حزب الله النية بالقيام بعمل ما لكان بمقدوره تنفيذ عملية سهلة بعدما حصل على معلومات مهمة عن توقيت ورقعة انتشار القوات الاسرائيلية.
لكن السؤال بالنسبة إلى إسرائيل يتصل بالإجراءات التي يفترض أن القرار 1701 قد وفرها لمنع حصول أمر من هذا النوع. خصوصاً أن القوات الدولية التي انتشرت منذ اشهر عدة في المنطقة اجرت عمليات مسح شاملة لكل المنطقة جغرافياً وعسكرياً وأمنياً، وجرت عشرات المناورات التي تركزت على سبل مواجهة مقاومين او مسلحين ينوون مهاجمة اسرائيل او مهاجمة القوات الدولية نفسها. وكان هناك النشاط المكثف الذي يستند الى معلومات تقدمها اسرائيل بصورة دورية الى هذه القوات وإلى الدول المشاركة فيها، والتي تركز على كل ما هو مفترض أنه يخص المقاومة ورجالها وآليات عملها بعد العدوان الاخير. ثم يحصل فجأة أن تُكتشف العبوات هذه، وأن تبدو كل الاجراءات التي اتخذت غير ذات جدوى، وأن أي قرار سياسي أو أمني أو عسكري ليس من شأنه الحؤول دون تجدد المواجهة متى اضطر احد الطرفين الى شنّها. وبدلاً من أن تجري القوات الدولية مراجعة من النوع الذي يظهرها قوة محايدة، جاء الخرق الاسرائيلي في مارون الراس واستعادة القوات الدولية لدورها التاريخي في المراقبة وتسجيل ارقام السيارات وتعداد طلقات المدفعية او الرصاص ليلقي بثقله على النقاش المفتوح اصلاً بشأن دور هذه القوة، وكيف أنها أقرب الى اسرائيل من لبنان، وأنها مستعدة لافتعال مشكلة مع الجانب اللبناني وأن تضغط لكي يرفع جنود الجيش بنادقهم الى اعلى أو الى الارض وعدم توجيهها باتجاه فلسطين المحتلة كما حصل قبل مدة عند بوابة فاطمة، وأن تبادر الى الضغط لمنع مسيرة شعبية عند الحدود، لكنها لا تحرك ساكناً إزاء خرق اسرائيلي وتقول لاحقاً إنها تجري الاتصالات اللازمة لوقفه، وهو ما لا يحصل الا بعد أن يبادر الجيش اللبناني الى إطلاق النار، وهو الذي يعرف اصلاً انه ليس في وارد الدخول في معركة غير متكافئة، لكنه يبعث رسالة الى القوات الدولية أولاً، مفادها أن واجبها هي أن تمنع الخرق ولو بالقوة، الا اذا كانت دبابات “لوكلير” الفرنسية مخصصة فقط لإخافة اولاد عيترون ورميش.
لكن الذي يدور الآن من مناقشات سوف يفتح الباب على وضعية جديدة، وبرغم أن اسرائيل تبدو معنية بمنع عودة المقاومين جهاراً الى المنطقة، فإن ما حصل منذ توقف الحرب حتى اليوم، اظهر أن لدى المقاومة ما يكفي من خيارات لكي تحقق الهدف الرئيسي في مراقبة كل ما تقوم به قوات الاحتلال وفي البقاء على حالة من الجهوزية للقيام بكل ما من شأنه منع تكرار العدوان.. وهي حرب سبق للمقاومة أن خاضتها بوجه قوات الاحتلال في كل المراحل السابقة. وثمة خط سير يبدأ ويأخذ طريقه الى حيث يجب أن يصل.