عرفات حجازي
بلغ الوضع اللبناني حداً من التأزم يستلزم الإسراع في إيجاد معالجة جذرية له وبلورة حلول سياسية واقعية لمساره. وإذا كان الجميع متفقاً على أن ما نشهده حالياً لا يعدو أن يكون هدنة أملتها جملة اعتبارات، أبرزها تمرير الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وحاجة الأفرقاء إلى فسحة لالتقاط الأنفاس ومراجعة المواقف والحسابات في ضوء مناخات الفتنة التي أشاعتها حوادث 23 و25 من الشهر الماضي والعمل على احتواء تداعياتها الخطيرة، من دون إسقاط أهمية إعطاء فرصة للمشاورات الجارية من دون ضجيج على خط الرياض ـــ طهران بهدف توسيع مساحات التلاقي بين أطراف الأزمة ومساعدتهم على إنتاج تسوية تأخذ في الاعتبار الآفاق الخطيرة التي يمكن أن تنفتح عليها الأزمة إذا تركت تراوح مكانها، وتسليم أوراق اللاعبين المحليين للخارج بما يحوّل البلد ساحة لصراع المصالح والمشاريع الإقليمية والدولية من ضمن الكباش الدائر على الشرق الأوسط والاستراتيجية التي ستحكمه أو تتحكم به.
حتى الساعة لا شيء يوحي بوجود توافقات أدت إليها حركة الاتصالات الإقليمية الدولية، مع أن ثمة من يتحدث عن تقدم حصل بفعل المسعى الإيراني ـــ السعودي، وهو ما ترتكز عليه حالياً حركة الاتصالات التي يقوم بها الرئيس نبيه بري بعيداً من الأضواء لتقديم الموقف الوطني الداخلي على المواقف الخارجية، بحيث يكون التوافق اللبناني ــ اللبناني حجر الأساس في أي تسوية بدعم من الأشقاء والأصدقاء.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن مشاورات بري التي ما زالت حتى الآن مقتصرة على حلقة ضيقة من ممثلي 14 آذار و8 آذار تنطلق من رؤية متكاملة للحل تقوم على المبدأ الذي سلم به جميع الأطراف أثناء المداولات التي أجراها عمرو موسى، أي التزامن والتوازي بين قيام حكومة الوحدة الوطنية وإقرار المحكمة ذات الطابع الدولي.
وتضيف المصادر أن رئيس المجلس لم يضف جديداً الى اقتراحه تأليف فريق قانوني من الطرفين المتنازعين لوضع التعديلات الضرورية على مشروع قانون الاتفاق مع الأمم المتحدة، فقد سبق واتفق على هذه الخطوة مع النائب سعد الحريري في خلوتهما على هامش جلسات التشاور في حضور ممثل «حزب الله»، لكن بعض أطراف الأكثرية انقلبت على هذا التفاهم. ورغم كل التطورات التي جرت بعد ذلك، فإن الرئيس فؤاد السنيورة وزعيم تيار «المستقبل» لم يرفضا بالمطلق إبداء أي ملاحظات أو تعديلات على نظام المحكمة، مشترطين فقط عدم إفراغها من مضمونها، وهما يقولان علناً إنهما ضد تسييس المحكمة واستخدامها أداة ابتزاز وتصفية حسابات مع أي كان. من هنا جاء تجديد اقتراح الرئيس بري تأليف لجنة قانونية مشتركة لتقديم ملاحظاتها على بعض البنود التي يتضمنها نظام المحكمة بحيث تُزال الالتباسات التي يمكن أن تثير هواجس بعض أطراف المعارضة.
وفي سياق متصل، يرى بري أن البوابة الأخرى للحل، المتمثلة بقيام حكومة اتحاد وطني، تعترضها مشاكل ليست أقل تعقيداً من المشاكل التي تعترض إقرار المحكمة. فثمة خلافات على عدد الحقائب التي ستعطى للمعارضة ونوعيتها، هذا إذا سلمنا جدلاً بحسم الثلث الضامن، ومن هنا فإن فكرة التحرك على خطّي المعالجة للعقدتين ستسمح بفتح قنوات التواصل بين القيادات المعنية للبت في نقاط الخلاف، بحيث إذا حصل تقدم في مسألة المحكمة فسينعكس ذلك إيجاباً على مسألة الحكومة، والعكس صحيح، وعندها يمكن الوصول إلى الاتفاق الشامل وتتحقق معادلة التلازم بين إقرار المحكمة وإبرامها في المجلس النيابي، وتوسيع الحكومة وضمان إشراك المعارضة في الحكم بصورة فعلية.
ولم يعد سراً أن الاتصالات التي جرت في الغرف المغلقة في شأن أفكار الرئيس بري للحل قطعت مرحلة متقدمة، وإن كانت عناصر هذه المبادرة لم تتضح في تفاصيلها، لأن الرجل حريص على التكتم، خشية أن تؤدي التسريبات إلى إجهاضها كما حصل في مبادرته الأخيرة.
كما لم يعد سراً فتح قناة الاتصالات بين الحريري وبري، بحيث يمكن القول إن الأمور عادت إلى طبيعتها بينهما، بعدما تجاوزا ما حصل بينهما من سجالات، واعتبرا ما حدث أموراً عارضة، وكان توافق على وجوب الاستمرار في السعي للخروج من حال التردي التي تعيشها البلاد.
ويقول متابعون لحركة بري إن الرجل الذي ينطلق من قناعة بأن لا أبواب مقفلة في العمل السياسي يحاول التقاط إشارات إيجابية من التسويات التي تجرى على ساحة المنطقة، ومن القمم التي تعقد بين قادة الدول المؤثرين ـــ ولبنان بند أساسي في كل المداولات التي تجرى ـــ مستفيداً من إمكان انعكاس الاتفاق الفلسطيني ـــ الفلسطيني برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز إيجاباً على مساعيه الجارية ورهانه الدائم على إعادة الدفء الى العلاقة السعودية ـــ السورية، وهو ما يعوّل عليه لتحقيق التفاهم اللبناني، لما للأزمة الراهنة من ترابط عربي وإقليمي.
ورأت المصادر المتابعة أن مجرد ذهاب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» المقيم في دمشق إلى اجتماعات مكة خطوة سورية انفتاحية على المملكة ومساهمة من دمشق في حل الأزمة برعاية الرياض. ولا تسقط هذه المصادر من الحساب التعاون السعودي ـــ الإيراني الذي تمكّن من لجم الفتنة، مضيفة أن التأييد الأميركي للمسعى السعودي ـــ الإيراني رغم الخلافات بين واشنطن وطهران وتشجيع هذا التواصل يدل على انفتاح اميركي جديد على معالجات أزمات المنطقة وبينها لبنان، إذ لا مصلحة لواشنطن بتفجير الوضع اللبناني، بل إن من مصلحتها تهدئة الوضع ومساندة الجهود المبذولة في هذا السبيل ودعم توافق اللبنانيين على مخرج من أزمتهم السياسية.