طارق ترشيشي
أشاع اتفاق مكة بين حركتي "فتح" و"حماس" على تأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية أجواء تفاؤل بإمكان انسحاب هذا الاتفاق على لبنان اتفاقاً بين فريق السلطة والمعارضة على حكومة مماثلة تُخرج الوضع الداخلي المأزوم الى آفاق الانفراج قبل حلول موعد القمة العربية العادية التي ستنعقد في المملكة العربية السعودية أواخر آذار المقبل.
ويعتقد سياسيون بأن السياق الطبيعي للأحداث السياسية بعد اتفاق مكة، يفرض حصول اتفاق لبناني ـــ لبناني مشابه، لأن الجهات العربية والإقليمية والدولية المهتمة بالشأن الفلسطيني تمكنت من جمع الفلسطينيين في مكة ليستولدوا الاتفاق في ما بينهم لوقف التقاتل الفلسطيني ـــ الفلسطيني وتأليف حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل ألوان الطيف السياسي في الساحة الفلسطينية، تهتم أيضاً بالشأن اللبناني، وفي إمكانها أن تجمع اللبنانيين ليستولدوا اتفاقاً على حكومة وحدة وطنية تضم كل ألوان الطيف السياسي اللبناني وتنهي الأزمة المتفاقمة بين السلطة والمعارضة منذ أكثر من عامين.
ويرى هؤلاء السياسيون أن اتفاق مكة «أشاع حالة من الاطمئنان» على الصعيد العربي، وإذا كان البعض يحاول أن يقول إنه مكَّن السعودية من سحب حركة "حماس" من يد إيران، فإن هذا القول يدحضه معطى أساسي مفاده أن هذا الاتفاق تم في أجواء تقدم ملحوظ في العلاقة بين السعودية وإيران، لا في أجواء خلاف أو توتر بينهما.
لكن التطور الذي طرأ على الموقف الروسي الذي «يطحش» منذ أيام على الولايات المتحدة ويعتبر أنها، بسياساتها الإقليمية والدولية، باتت تشكل خطراً على المجتمع الدولي، هو ما ينبغي أن يكون محور الاهتمام من الآن وصاعداً لأن ما أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي وصل الى السعودية أمس في بداية جولة عربية، يعني أن المنطقة ومناطق أخرى في العالم بدأت تستعيد أجواء الحرب الباردة، وأن بوتين في ما قاله وجّه الى الإدارة الاميركية رسالة مفادها أن تصرفها الأحادي في التعاطي مع الأزمات الإقليمية والدولية يزيد في تعميق هذه الأزمات، وأن عليها أن تغيّر هذا التصرف في الاتجاه الذي يفيد في معالجتها تحت طائلة التصدي لهذه الأحادية في حال استمرارها. وأكثر من ذلك، فإن قول بوتين إن سياسة واشنطن باتت تشكل خطراً على المجتمع الدولي، معناه أنه يقول للإدراة الاميركية إن هناك مجموعة قضايا عليها أن تغيّر سياستها حيالها، ومن ذلك تهديداتها لكل من سوريا وإيران.
وفي رأي هؤلاء السياسيين أن مواقف بوتين الأخيرة تطلق الحرب الباردة مجدداً على المستوى الدولي من أجل تغطية الحروب الباردة على المستوى الإقليمي، وما يجري في لبنان هو واحدة من هذه الحروب، لأن الاطراف اللبنانية المتنازعة غير قادرة على حل الأزمة، وهي في الوقت نفسه ليست راغبة في تفجير الوضع، ولذلك فإن ما يدور بينها هو حرب باردة بمعنى من المعاني.
ويرشح من بعض الأوساط السياسية أن ثمة اتفاق حل أو أوشك الحصول على حل الأزمة بين السلطة والمعارضة يقوم على مجموعة من الأفكار منها:
أولاً: تأليف حكومة وحدة وطنية من 30 وزيراً (19 وزيراً للأكثرية و11 وزيراً، أي الثلث زائداً واحداً للمعارضة).
ثانياً: إقرار مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد تعديله، على أن يتم إنشاء هيئة هذه المحكمة وتحديد آليات عملها بعد انتهاء التحقيق.
ثالثاً: إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية في الحكومة، ومن ثم في مجلس النواب.
رابعاً: انتخاب مجلس النواب الحالي رئيس جمهورية يُتفق عليه بين فريقي السلطة والمعارضة.
خامساً: إجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد تولي الرئيس الجديد مهماته.
وتقول أوساط سياسية عليمة إن نقطة الخلاف المركزية تدور على موعد إجراء الانتخابات النيابية المبكرة، إذ إن الأكثرية تصرّ على إجرائها بعد انتخاب مجلس النواب الحالي رئيس الجمهورية التوافقي وتسلمه مقاليد الرئاسة من رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، فيما المعارضة تصرّ على أن تجرى الانتخابات فور إقرار قانون الانتخاب الجديد وقبل نهاية ولاية لحود، على أن ينتخب مجلس النواب الجديد الرئيس التوافقي.
وتختم هذه الأوساط بالتأكيد أيضاً أن موضوع بقاء الرئيس فؤاد السنيورة أو تكليف شخصية أخرى رئاسة الحكومة العتيدة هو موضع نقاش أيضاً، وخصوصاً لدى بعض الجهات الإقليمية، فضلاً عن أن أطرافاً داخلية لا ترى ضيراً في الإتيان بشخصية جديدة إلى رئاسة الحكومة خلفاً للسنيورة في حال حصول اتفاق على تأليف حكومة جديدة بدل توسيع الحكومة الحالية لتصبح مكونة من 30 وزيراً.