غسان سعود
على طاولة صغيرة في فندق بيروتي قديم، تجلس السيدة زينة كرم وحولها مجموعة صغيرة من الشباب، يبحثون في خطوة ثانية للتوجه إلى الرأي العام. هذه مجموعة «لبناني وبس». وهم شباب من مناطق متنوعة، تلاقوا حول فكرة عفوية راودت كرم، في عز المخاوف المتناقلة من اندلاع حرب بين اللبنانيين.
يتبادل المجتمعون الآراء: «طالما هناك من يصرخ، والإعلام يتابع، هذا يعني أنها بداية جيدة»، «أخافنا ما حصل في الجامعات، ونجري اتصالات للتوجه إلى الجامعات والكلام مع الطلاب»، و«أنا عمري بات ورائي، لكني قلقة على مستقبل أبنائي».
هذه العبارة الأخيرة هي أساس القصة: سيدة تخطت الخمسين من عمرها، عاشت تجربة الحرب، خافت من تكرارها. وأرادت أن تجنب أبناءها ورفاقهم بؤس الحرب. فاتصلت بعدد من أصدقائها، بحثوا عن مبادرة جديدة لأنها «لم تعد تطيق الحال السياسية الراهنة». لكن، كلما كانوا يتفقون على رسالة معينة، كانت الأحداث تبعثر الأفكار مجدداً، فيضطرون لتعديلها، إلى أن اتّخذ القرار النهائي. وأطلقوا في الثامن من شباط حملة في كل المناطق اللبنانيّة. ووزّعوا على الطرقات أكثر من ألفي ملصق تحمل رسم شابين يقفان متلاصقين، موجهين مسدّسَيْهما إلى رأسَيْ بعضهما بعضاً، مع تعليق يسأل «من الخسران»؟
تخلط كرم في حديثها بين الفرنسية والإنكليزية، وقليل من العربية. فتؤكد أنهم إذا «لم يقولوا لا، لا يكونون يقومون بدورهم كمواطنين». ويؤيد المجتمعون بقوة تحركات «نحو المواطنيّة» و«حلّوها». وتعتبر «لبناني وبس» أن أحداث الأشهر الأخيرة أثارت ذكريات أليمة من «ماض كنّا نأمل ألّا يخيّم شبحه علينا من جديد». وتشير إلى أن النزاعات الدامية من أجل السلطة، تمزق لبنان مرّة أخرى. ومرّة أخرى تحرّك «بلادَنا جداول أعمال أجنبيّة».
وتدعو الحركة إلى الوقوف ورفع الصوت ضد ما يحصل، و«حتى لو منينا بالفشل، نكون أقله قد نجحنا في إيصال رسالة تؤكّد وجود أصوات أخرى في هذا الوطن، لكنّها غير مسموعة». ورغم عدم وجود تنظيم واضح للمجموعة وبرنامج عمل، فإن الناشطين المدنيين يؤكدون أن هذا لا يعني أنهم سيجلسون جانباً، ومن دون فعل شيء. ويلفتون إلى نجاح خطوتهم الأولى المتمثلة بالحملة الإعلانية، التي جذبت لبنانيين كثراً، اتصلوا بهم وأبلغوهم استعدادهم للتطوع والمساعدة. وهم يؤكدون اليوم أنّ عدد ناشطيهم، بعد أربعة أيام على بدء الحملة، يتخطى المئة والخمسين.
كرم تستعيد مبادرة الكلام. وتوضح أن حركتهم «فشة خلق» أو «صرخة مواطنين تعبوا، لكن لم ييأسوا». يصل الحديث إلى هجرة الشباب. يذكرون عدة أمثلة. ويصلون إلى السؤال «لماذا وصلنا لهون؟». وينتهي أهل الجمعية إلى تأكيد عدم تبعيتهم لأية مرجعيّة سياسيّة، أو «وجود غايات شخصية».