strong>غسان سعود
تلامذة المدارس سألوا عن السياسيّ الذي استُهدف وأهاليهم غرقوا في التحليلات المتضاربة

ينتشر النبأ بسرعة، تتفاوت تقديرات وسائل الإعلام لعدد القتلى. بين تسعة واثني عشر. تزداد زحمة السير في ساحل المتن. يعيد التجار إقفال محّالهم، وتقرّر المدارس إعادة التلاميذ إلى منازلهم، لكن بعد تفتيش كل الباصات. تبدو الوجوه شديدة التجهّم. والأطفال يسألون عن هوية السياسي الذي استُهدف هذه المرة. أما الكبار، فيفضّل معظمهم عدم التعليق، فيما يندفع البعض في تقديم وجهة نظره، وشرحها دون أي دبلوماسيّة. يتهم البعض سوريا بتنفيذ العملية ويستشهدون بتهديد الرئيس السوري بشار الأسد بضرب الاستقرار في لبنان إذا خرج الجيش السوري منه. ويجد هذا التحليل مؤيّدين آخرين يجزمون أن هدف العمليّة ترهيب الناس وتخويفهم لعدم المشاركة في الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري. في المقابل، يشير آخرون بأصابع الاتهام إلى القوات اللبنانية، ويحملونها المسؤولية، رابطين بين تفجير الأمس والشائعات التي سبق تداولها غداة اغتيال الوزير بيار الجميل.
العاشرة والنصف، بين قرنة شهوان وبكفيا، مفرق عين علق الشهير بشدة انعطافه، وبـ«الكتائب اللبنانيّة» المحفورة على حائطه الحجري. هنا وقع الانفجار.
يروي أحد عناصر الصليب الأحمر أنّهم وصلوا إلى المكان بعد عشردقائق من وقوع الانفجار، ونقلوا المصابين على دفعات، بحسب حراجة حالتهم، إلى المستشفيات القريبة. ويوضح العنصر «المصدوم» ممّا شاهده أنهم نقلوا ثلاثة شهداء هم محمد حمود (تبيّن لاحقاً أنّه يدعى ابراهيم الفلاح)، ميشال عطار، وامرأة مجهولة الهوية (تبيّن لاحقاً أنّها لوريس الجميل)، إضافة إلى عشرات الجرحى. ويؤكد الشاب أن السائقين لم يصابا بأكثر من بضعة جروح طفيفة، قبل أن يتدخل صديقه، ويحذره من الكلام مع الصحافيين، مردداً «إنها البوسطة من جديد، لا حاجة إلى كلام إضافي».
في ساحة الانفجار. الباص الأول، ثلاث سيارات، شحن محمّل بالفرش، وباص محترق بالكامل نجا ركابه من الموت بعد أن نزلوا منه ليتفقدوا ما حصل في الباص الأول، دون أن يعلموا أن مفاجأة كانت تنتظرهم أيضاً، كما أكدت إحدى المصابات.
تمتلئ الساحة بالصور، عناصر أمنيّون يبحثون بين البقايا البشريّة، أقمشة ثياب، حذاء، زجاج على الأرض، دم يختلط بالمازوت، كتب، نظارات، وأشياء صغيرة فقدت هويتها.
يتهافت نواب المتن نحو مسرح الجريمة. يصف النائب ابراهيم كنعان الحادث بالكارثة الأمنية، ويستغرب استهداف المواطنين العُزل بهذه الطريقة، داعياً السياسيين إلى إيقاف عملية الاستغلال على حساب دم الأبرياء. فيما يشير زميله نبيل نقولا إلى «قصدهم جر لبنان الى فتنة على الطريقة العراقية»، ويؤكد وجود مجرمين لا يريدون التهدئة التي بدأت تباشيرها تظهر في اليومين الأخيرين. وبعد بضع دقائق، يصل إلى الساحة مسؤول القوات اللبنانية في المتن الشمالي ادي أبي اللمع، برفقة أكثر من عشرة مرافقين. يتحرك أبي اللمع ببطء، يبدو شديد الانفعال، يستفسر من أحد الضباط عن عدد الجرحى، يستنكر القتل الجماعي. يغادر أبي اللمع، وسط «تمتمة» من مجموعة من السائقين البتغرينيين، المؤيدين للرئيس ميشال المر، ويتمنى أحد هؤلاء، بصوت عالٍ، أن تحرص القوات اللبنانية على ضم التفجير الأخير إلى ملفات المحكمة الدولية، «المستفحلة في المطالبة بها على حساب المسيحيين». وعلى بعد بضعة أمتار من هؤلاء، تجتمع مجموعة صغيرة من القواتيين، فنسمع «إنّه الطابور الخامس، القوميّون السوريّون عملاء البعث السوري. لن نخاف ولن نستسلم، نحن المقاومون الحقيقيون. نسمع أيضاً أن السائقين ينتميان إلى القوات اللبنانية، وهما الوحيدان في بتغرين اللذين سجّلا اسميهما لنقل الركاب، اليوم، إلى ساحة الشهداء. الأمر الذي أكد أهل السائقين عدم صحته».
بعيداً من الساحة، والتحاليل المتناقضة، يبدو مستشفى «بحنّس» هادئاً رغم كثافة المحتشدين فيه. تتنقّل الراهبات برشاقة، بين أقرباء المصابين، وهنّ يوزعن الابتسامات ويحاولن طمأنة الأهالي. عائلة الضحية لوريس الجميل تفقد أعصابها، شبان يبكون، ووالدة تبدو مجمدة، لا تقول أي كلمة. وقرب باب غرفة العمليات، يقف سامي أمين الجميل، يبدو كعادته متماسكاً، يوزع بضعة تعليمات على مرافقيه، ويؤكد ضرورة قيام الأجهزة الأمنية بواجبها للمعرفة، ولو لمرة واحدة، من وراء هذه الاعمال الإرهابية. بالقرب من هؤلاء، يعلو صراخ إحدى السيدات، مرددة «كلهم طلاب جامعات... كلهم طلاب جامعات»، فيما تفتح سيدة مسنّة تقف بالقرب منها يديها، وتتضرع إلى الله قائلة «شو في أكتر من هيك؟»