جان عزيز
«شهداء عين علق»، لازمة جديدة أضيفت للتوّ إلى خطابات 14 شباط 2007، بعد الجريمة التي نكبت بها هذه القرية المتنية، قبل 24 ساعة من الاحتفال.
لا يشك أحد من المراقبين بأن خطابات الشخصيات المتكلمة في وسط بيروت يوم أمس، كتبت طبعاً بعد الجريمة لا قبلها، خصوصاً لجهة إضافة العبارات المتعلقة بالشهداء الأبرياء الجدد.
ولا يشك أيّ من اللبنانيين بأن التفكير الاتهامي الأول، يتّجه لدى قسم كبير من الناس في اتجاه دمشق ونظامها. فهؤلاء يعتقدون عن حق، أن للنظام السوري تاريخاً حافلاً بالممارسة القابلة لشبهة كهذه. ثم إن حسابات دمشق في مرحلة ما بعد انسحابها القسري من لبنان، في 26 نيسان 2005، لا يمكن إلا أن تكون مستفيدة من أي زعزعة أمنية في الداخل اللبناني، كما من أي تصوير للوضع اللبناني في حال من العجز عن الاستقرار والحكم والإدارة الذاتية للدولة. ذلك أن مثل هذا الانطباع قد يشكل أحد المداخل الممكنة لتفكير خارجي بالعودة إلى سياسة التلزيم، على طريقة أثيوبيا ـــ الصومال، أو حتى لتفكير داخلي بتفضيل «السيئ» على «الأسوأ»، على طريقة صعود جميع الزعامات اللبنانية السنية إلى حافظ الأسد في شباط 1987، ومناشدته إدخال جيشه إلى العاصمة اللبنانية.
وبالتالي، فإن تحوّل الشبهة والاتهام في جريمة عين علق، كما في أي جريمة أخرى مماثلة سابقة أو لاحقة، نحو «نظام الدولة» في سوريا، له ما يبرره في المنطق والقياس والحجة والاستدلال.
غير أن هذا الأمر لا يجب في أي شكل من الأشكال، أن يحجب عن مجال المنطق النظري نفسه، سؤالين واجبين ومتلازمين: لماذا جريمة 13 شباط 2007، كما 15 جريمة سابقة، استهدفت منطقة مسيحية مرة أخرى؟ وما هو التفسير لهذا التقصير الكامل لدى جهات السلطة، في التوصل إلى كشف ولو خيط واحد من خيوط تلك الجرائم؟
والسؤالان يبدوان واجبي الطرح، ومتلازمي البحث، نظراً إلى الخلفيات المرتبطة بهما، في مسألة الأمن، كما في مسألة السياسة.
فمن الناحية الأمنية أولاً، تعيد جريمة عين علق فتح ملف الجدية والمهنية اللتين تعاملت بهما جهات السلطة مع مثل هذه الجرائم. وفي هذا السياق، تطرح جهات معارضة سؤالين محددين، يلقيان الضوء على ما تعتبره عجزاً رسمياً يلامس حد الريبة:
السؤال الأول، ما هي صحة المعلومات التي تداولتها أوساط معنية باستشهاد الوزير بيار الجميل، ومفادها أن شريطاً مصوّراً لساحة الجريمة لحظة وقوعها، رصد عبر أحد الأقمار الاصطناعية، وأن جهات التحقيق الدولي لجأت إلى الأمم المتحدة لتأمين الاعتماد المالي اللازم لشرائه، لتنتهي المسألة عند هذا الحد، من دون أي متابعة جدية لها، من قبل الجهات اللبنانية المسؤولة عن الملف، أو المفترض أن تكون كذلك؟
أما السؤال الثاني، فتوجّهه الجهات المعارضة نفسها، لمناسبة عودة حسن السبع إلى وزارة الداخلية، نظراً لكونه معنيّاً مباشرة بحيثيات هذا السؤال. ذلك أنه في 3 أيلول 2005، أي بعد أسابيع قليلة على تسلّم السبع وزارة الداخلية، سرّبت إلى إحدى الوسائل الإعلامية معلومات قيل إنها «رسمية»، عن إلقاء القبض على أشخاص متورطين في انفجار الزلقا في 23 آب من السنة نفسها. وذهبت المعلومات الموزعة والمنشورة إلى حد تسمية المسؤولين الأمنيين الذين «كشفوا الجريمة»، وتسمية الموقوفين بالأحرف الأولى من أسمائهم. غير أن هذه الرواية لم تلبث أن طمست نهائياً، من دون أي نفي أو تأكيد. وبناءً عليها، تؤكد الجهات المعارضة أن جلاء حقيقة تلك الواقعة يكشف الكثير من الخلفيات الأمنية لمسلسل استهداف المناطق المسيحية. لا بل تذهب إلى حد الاتهام، إما لناحية التغطية، وإما لناحية التلفيق في التعاطي مع جرائم التفجير التي ضربت هذا الشارع من المجتمع اللبناني من دون سواه.
أما لناحية الخلفيات السياسية للمسألة، فتطرح الجهات المعارضة سؤالها الموازي: من المستفيد، لجهة الاستثمار الشعبي والعاطفي و«الاقتراعي»، من مسلسل ضرب الشخصيات والمناطق المسيحية؟ وهل لهذا التساؤل صلة بكون الوسط المسيحي هو الحيّز اللبناني الوحيد الذي لم يرتصف خلف الأكثرية الحاكمة في الانتخابات النيابية الأخيرة، واختار لنفسه قراراً سياسياً خارجاً عن تركيبة التحالف الرباعي؟ وهل لهذه الخلفيات علاقة بالمعلومات عن بدء تحضير فريق الحريرية السياسية نفسه لاحتمال خوض انتخابات نيابية مبكرة؟
ماذا تعني هذه القراءة؟ تلخّص الأوساط المعارضة كل ما سبق بالقول إن طي الكلام المشار إليه أمنياً وسياسياً يخلص إلى الاعتقاد بأن هناك من يقصّر في حماية المناطق المسيحية من استهدافها أمنياً، لا بل هناك من يحاول «تلفيق» اتهامات ما حول الجرائم التي ارتكبت ضد المسيحيين، وهناك في المقابل من يستثمر وقوع الجرائم والتقصير في اكتشاف مرتكبيها، والتلفيق في الاتهامات المرافقة لها، من أجل تكوين رأي عام مسيحي انتخابي واقتراعي، مغاير لما أفرزته انتخابات 2005، وهناك أخيراً من ينتظر اكتمال هذا المخطط، ليعلن استعداده للذهاب إلى انتخابات مبكرة.
هل هو مجرد تخيّل إبليسي؟ سؤال برسم علم الفراسة لبعض الوجوه المتلوّنة.